كيفية إصلاح التعليم في مصر
يجب على القيادة التعليمية والسياسية أن تبدأ حملة قومية لكي تغير الفكر السائد. لن يكون هذا سهلاً، ولكن من الضروري أن تعيد
تخصيص بنود الميزانية لتحسين التعليم الفني وحد التوسع في التعليم العام. بعد عدة سنوات من هذا التحول سيعرف أولياء الأمور أن البديل للثانوية العامة هو عمل حقيقي ودخل أكبر من مرتب خريجي الجامعة.
مصر هي أكبر دولة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط كما أن النظام التعليمي بها هو الأقدم على الإطلاق، ويبلغ عدد الطلاب في هذا النظام حوالي 2.3 مليون طالب موزعين على 18 جامعة حكومية تحمل السواد الأعظم منهم، و40 معهد عالي حكومي بقوة استيعابية حوالي150000 طالب، وأكثر من 109 معهد عالي خاص يضم أكثر من 370 ألف طالب. كما يوجد في مصر حتى الآن 16 جامعة خاصة ترعى حوالي 40000 طالب. ويعكس هذا نظاما تعليما ضخما إلا أنه بالرغم من ذلك فهذه الكتلة الضخمة من الطلبة تمثل 29% فحسب من الشباب في المرحلة العمرية من 18 إلى 23، وهي نسبة لا تعبر عن مطامح هذا المجتمع في التنمية ولا ترتقي إلى مستويات المنافسة مع الدول الأوروبية ولا المنافس الرئيسي لمصر في الشرق الأوسط وهى إسرائيل.
إننا ندرك بأن نتاج التعليم العالي في أي مجتمع هو قاطرة التغيير والقوة الداعمة لتيار الإصلاح وحاضنة قادة المستقبل والقاعدة الشرعية للإبداع، لذلك فنحن نؤمن أن التعليم في مصر يحتاج إلى إحداث ثورة ضخمة. إننا في حاجة إلى التحول من نظام الحفظ والتلقين المهيمن علينا إلى النظام الذي يعتمد على حل المشكلات ومن ذلك المنهج الذي يقدر الامتثال والخضوع، إلى ذلك الذي يشجع ويحترم الإبداع والخيال، ومن الطاعة إلى التساؤل والبحث. بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن يتناول الخطاب الجماهيري السائد قيم الأسرة التي توقر وتبجل الكبار وتكبت تساؤلات الصغار في توازن واجب بل حتمي. فلن يجدي سوى السير على هذا السبيل إن أردنا لمصر أن تصبح دولة دينامية وابتكارية تتعطش لاكتساب العلم والمعرفة في عصر أساسه وجوهره مجتمع المعرفة، واقتصاده لا تقوده سوى التكنولوجيا.
إننا على أعتاب مرحلة تشهد تغيرات جذرية في مجالات التعليم وظروف العمل، مرحلة تتشعب فيها متطلبات المستقبل المهني الناجح، ويسير جنباً إلى جنب معها التعليم والتدريب مدى الحياة كمطلب واضح وأساسي. ليس معنى هذا إلغاء مجانية التعليم. من المحتمل أن يستمر مجانياً للجميع حتى سن الثامنة عشرة، الجديد في هذا الاقتراح أن يتم تحويل جذري في التعليم العام. سوف يؤدى ذلك إلى التفعيل التدريجي في عدد الملتحقين بالثانوي العام حتى يصل إلى العدد الحقيقي الذي تستطيع الجامعة استيعابه،أضف إلى ذلك أن المنظمات الدولية تتوقع أن تكون المستويات الجامعية في مصر حتى يستمر اعتراف العالم بشهادات، يجب أن يتم ذلك خلال عدة سنوات. بذلك يؤدى التحول إلى المدارس القومية إلى تحسن في الثانوي العام وكذلك في الجامعات. التعليم نشاط إنساني لا غنى عنه لأنه وعاء الحضارة في الأمم وسبب لنموها ووسيلة لتخريج مفكري الأمم وموظفي الدولة وكافة المتخصصين الذين تحتاجهم الدولة لبقائها وقد تنبهت كثير من الأمم إلى أهمية التعليم في مصر صاحبة الحضارة والتاريخ العظيم وقلب العالم الاسلامى والعربي والافريقى أحق الأمم بتطوير تعليمها يأخذها بأحسن ما وصلت إليه الإنسانية في هذا المجال واستنباط واستلهام أفضل ما لديها من الموروث الثقافي طوال مسيرتها في التاريخ للوصول إلى انسب وأفضل نظام تعليمي يحقق غايتها في التقدم والنمو الشامل ويرتكز هذا النظام التعليمي الجديد على ثلاثة مرتكزات:
الأول: تحديد الايجابيات التي توجد في النظام التعليمي الحال ومحاولة تطويرها وتحسينها.
الثاني: تحديد السلبيات التي تعوق العملية وتفرغها من مضمونها والعمل على علاجها وتعديلها وإبعاد الذي لا يصلح منها.
الثالث: استحداث الأساليب والطرق والأفكار والوسائل التي تصل بنا إلى أفضل نظام تعليمي يناسب في هذه المرحلة وما بعدها من مراحل.
كما أن المعنيون بهذا الأمر هم التربويون من أساتذة جامعات ومعلمين وأصحاب الفكر والكتاب والشباب صاحب الفكر والتوجه والمهتمون بأمر التعليم والسياسيون الذين بيدهم القرار والقائمون بتنفيذ قرارات تتعلق بالتعليم.
واقع التعليم في مصر
يقوم النظام التعليمي في مصر على تقسيم المراحل التعليمية إلى ثلاث مراحل تسبقها مرحلة رابعة هي مرحلة الحضانة التي توجد في بعض المدارس ولا توجد المرحلة الأولى الابتدائية – وهى تشتمل على ست سنوات دراسية ثم المرحلة الثانية وهى المرحلة الإعدادية ومدتها ثلاث سنوات ثم المرحلة الثانوية بأنواعها العام والتجاري والصناعي والزراعي والبريدي والتمريض والمسار ومدتها ثلاث سنوات فتصبح عدد السنوات اثني عشر سنة يعقبها أربع أو خمس أو ست سنوات للجامعة وخلال مسيرة التعليم في مصر خلال ثلاث جمهوريات متعاقبة بعد ثورة 23 يوليو 1952 ظهرت جملة من الايجابيات وفي حين أن البعض سيقول أن هذا القدر من الحرص يعتبر رفاهية لا يمكن لبلد مثل مصر أن تتحمل أعباءها فأنا أؤمن إيماناً قوياً أن استثمار الموارد في في هذه المسألة له أهمية قصوى في جهود تحسين نظامنا التعليمي تحسيناً مستداماً، يجب على وزارة التربية والتعليم أن تعطي اهتماماً بالغاً للمستوى الأكاديمي عند المتقدمين لمهنة التدريس وكذلك مهاراتهم في التواصل ورغبتهم في التدريس، ويجب عليها أن تضع اختباراً يحدد مستوى مهارات المتقدم في الحساب والثقافة العامة وحل المشكلات، والخطوة التالية هي مرور المتفوقين في الاختبار إلى المرحلة الثانية من عملية الاختيار وهي مرحلة تديرها الجامعات المختلفة حيث يتم اختبار المتقدمين لتحديد مستوى مهارات التواصل والرغبة في التعلّم والمستوى الأكاديمي والرغبة في التدريس، لأنه يجب انتقاء المدرسين قبل خضوعهم للتدريب ويجب أن تقتصر الوظائف المتاحة على من تم اختيارهم.
العامل الآخر المهم للحصول على أشخاص مناسبين في مجال التدريس هو توفير راتب ابتدائي جذاب، حيث تقول دراسة ماكنزي (٢٠٠٧): «الأنظمة التي تضع الحمل الأكبر من تكلفة الرواتب في بداية التعيين تنجح لسببين: الأول أن الراتب الأول أكثر أهمية في قرار دخول مجال التدريس من زيادة الراتب فيما بعد، والثاني أنه لا توجد علاقة إحصائية قوية بين بقاء المدرسين في التدريس وزيادة رواتبهم»، إذاً الأمر الأساسي وراء هذا الكلام هو أن اجتذاب الأشخاص المناسبين له علاقة قوية بمكانة المدرس في المجتمع، وعندما تصبح مهنة التدريس مهنة لها قيمتها الرفيعة سيسعى إليها أشخاص موهوبون أكثر وسيرفعون بدورهم من مستوى المهنة.
تمكين المدرسين من أن يصبحوا معلمين مؤثرين
يمكن لنا أن نعرّف مهمة النظام التعليمي المدرسي كله بهذه الطريقة: أن دوره هو التأكد من أن المدرس عند دخوله إلى الفصل ستكون المواد الدراسية موجودة وكذلك المعرفة والقدرة والطموح في زيادة عدد الأطفال الذين يرتقي بمستواهم اليوم عن الذين ارتقى بمستواهم بالأمس وإن أفضل المدارس أداءً تعلم جيداً أن الطريقة الوحيدة لتحسين النتائج هي تحسين التدريس، والتعلم يتم عند التفاعل بين الطالب والمعلم وبالتالي يحتاج تحسين التعلم إلى تحسين جودة ذلك التفاعل، ويمكن تحقيق هذا من خلال التدريب على أفضل الممارسات داخل الفصل ونقل تدريب المدرسين إلى داخل الفصول ووجود قيادات مدرسية قوية وتمكين المدرسين من التعلم من بعضهم البعض.
No comments:
Post a Comment