فشل الثورة العرابية : شوف الثلاثة الخونة الى ضيعوا دينهم وبلدهم واولهم على خنفس
كان الإنجليز ينتظرون الفرصة لاحتلال مصر بعد فشل الحملات الصليبية على مصر والشام وكذلك فشل الحملة الفرنسية (1798 م-1801 م) وبعد فشل حملة فزيز 1807 م وبعد تدمير إمبراطورية محمد على بمعاهدة لندن 1840 م وبريطانيا تتحين الفرصة لغزو مصر، وجاءت الفرصة في عصر الخديوِ توفيق الذي قامت ضده ثورة شعبية في البلاد بقيادة الأميرلاى أحمد عرابى - زعيم الفلاحين ابن قرية هرية رزنة بمحافظة الشرقية- وأطلق عليها ثورة عرابى وكانت بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، والتدخل الأجنبى في شئون مصر، ومعاملة رئيس الوزارة رياض باشا آنذاك القاسية للمصريين، واضطهاد الضباط المصريين في الجيش على حساب الأتراك والشركس، وأخذ الخديو توفيق يبالغ في تصوير الموقف للأوربيين بأنه شديد الخطورة.
كانت الثورة العرابية والعرابيون حجة التدخل الإنجليزى لحماية الأجانب ومصالحهم بمصر وأرسلت إنجلترا وفرنسا المذكرة المشتركة الأولى والثانية وبعد حوادث مذبحة الإسكندرية تدخل الأسطول الإنجليزى واقتحم الإسكندرية، وفشلت تحصينات العرابيين في منع استيلاء الإنجليز عليها وتقدم الجيش الإنجليزى نحو كفر الدوار واستبسل الجيش المصرى بقيادة طلبة عصمت، ورد الإنجليز عن البلاد ليفشلوا في دخولها من ناحية الشمال ويتحولوا للشرق مدعومين بمباركة دولية، لتأتى معركة التل الكبير بمحافظة الإسماعيلية حيث قدم الإنجليز من القناة، وكان عرابى قد فكر في ردم القناة حتى لا يدخلوا للبلاد عن طريقها فرد عليه «ديلسيبس» الفرنسى رئيس شركة قناة السويس آنذاك بأن القناة على الحياد على أساس أن إنجلترا وفرنسا أعداء.
وأيقن الإنجليز أنهم لن يدخلوا مصر إلا بالحيل وبمساعدة الخديو توفيق وكذلك فرنسا بتسهيل «ديلسيبس» مرورهم من قناة السويس للوصول للإسماعيلية ومنها إلى القاهرة، فأمر الخديو «محمد سلطان باشا» رئيس البرلمان المصرى بوضع خطة محكمة للقضاء على جيش عرابى فوضعها وكانت وسيلته الرشوة، حيث جند في صفه «سعود الطحاوي» وهو شيخ من شيوخ العرب، وصديق حميم لأحمد عرابى ومن بلدته وكان عرابى يثق فيه ثقة عمياء، ويسهر معه كل ليلة فينقل الطحاوى أخباره ونواياه إلى الإنجليز، ولم يكتف بذلك بل فعل ما هو أسوأ وأخطر، إذ قام بتجنيد كبار القادة في الجيش لصالح الإنجليز، جندَ «أحمد عبد الغفار» قائد سلاح الفرسان ونائبه «عبد الرحمن حسن» وقائد سلاح المشاة «على يوسف» الملقب بــ«خنفس».
واستطاع كلٌ منهم أن يشترى عددا من الضباط المرءوسين وسرى السم في جيش عرابي، ووعد الإنجليز هؤلاء القادة الخونة بأنهم سوف يقبضون عشرة آلاف جنيه ذهب ومنحوا كلا منهم ألف جنيه مقدما.
وقام كل من القادة الثلاثة بدور في غاية الخطورة، بداية بالخائن «على خنفس» الذي زعم البعض أنه مصرى صميم، والحقيقة أنه من حثالة الترك أرسل من مقدمة الجيش إلى عرابى يبلغه بأن الإنجليز لن يتحركوا في ذلك اليوم، فركن الجيش المصرى إلى الراحة بأمر قواده ليتأهب للمعركة الفاصلة من صبيحة الغد، غير أن القائد الإنجليزى ولسلى تأهب في مساء اليوم ذاته للزحف في هدوء تام بعد منتصف الليل، إذ تقاعس «أحمد عبد الغفار» عن حراسة جيش عرابى الذي يربض في التل الكبير وانسحب نائبه «عبد الرحمن حسن» ـ قائد فرقة استطلاع السواري- الذي كان يحرس الطريق الصحراوى من الشرق واتجه شمالًا ليخلى الطريق لمرور الإنجليز دون أي مقاومة، وقواد الخيالة كان قد أغراهم سلطان فكان مكان الخيالة في مقدمة الجيش ولم ينذروا عن تقدم الإنجليز.
وقام «على خنفس» قائد سلاح المشاة بقيادة الجيش الإنجليزى إلى التل الكبير، حيث فاجأوا جيش عرابى وهو يعسكر في أمان مطمئنا إلى حراسة سلاح المشاة، ومطمئنا إلى أنهم سوف يشتبكون مع الأعداء إلى حين أن تستعد القوة الرئيسية في التل الكبير، ولكن الخائن خنفس لم يكتف بما فعل فوضع مصابيح في الخنادق لكى يهتدى بها الإنجليز، ثم انسحب برجاله فترك ممرًا عريضًا لمرور الإنجليز في 12 سبتمبر 1882 ليصلوا إلى الإسماعيلية وحدثت المجزرة التي قاتل فيها الجنود والضباط الوطنيون بكل بسالة إلى أن استشهدوا، واستغرقت المعركة أقل من 30 دقيقة وألقى القبض على أحمد عرابى قبل أن يكمل ارتداء حذائه العسكري -حسب اعتراف عرابى أثناء رحلة نفيه إلى سيلان- وفى فجر الثالث عشر من سبتمبر وقعت الهزيمة الماحقة بالجيش المصرى في التل الكبير.
وفى 15 سبتمبر بلغ الإنجليز منطقة العباسية، ومنها ساروا إلى القلعة ـ وكان بها أربعة آلاف جندى ـ فسلمهم خنفس مفاتيحها، ومن شهادة الزعيم أحمد عرابى في كتاب «التاريخ السرى للاحتلال البريطاني» للمؤلف «ولفرد سكاوين بلنت» قال (إنه لما كان الإنجليز يتقدمون دبرنا هجومًا نقوم به في القصاصين، وكان هذا التدبير يقتضى أن يتقدم محمود سامى إلى ميمنتهم من الصالحية ونتقدم نحن إلى الأمام، وفى الوقت نفسه تكون قد دارت قوة من جنوبى الوادى لكى تضربهم من المؤخرة، وجربنا الحملة وبدأنا تنفيذها ولكننا فشلنا لأن «على بك خنفس» خاننا وأفشى التدبير، وأرسل إلى لورد ولسلى الرسم الكروكى الذي كنت رسمته أنا وأرسلته إليه وكان أبو سلطان (سلطان باشا) بالنيابة عن الخديو قد أفسد علىّ يوسف وضباطًا آخرين في الجيش بالرشوة، ولما كنت في السجن في القاهرة جاءنى سير «تشارلز ولسون» ومعه رسمى الكروكي، وسألنى هل هذا من رسم يدك؟ فقلت نعم، فأخبرنى كيف وقع في يده، وقال: إنه تدبير محكم وربما كنتم هزمتمونا لو لم نقع عليه).
ودخل الإنجليز بعدها القاهرة واستقبلهم الخديو واستعرض القوات البريطانية ووقع عرابى في الأسر وحكم عليه بالإعدام ثم خفف للنفى ووقعت البلاد تحت الاحتلال الإنجليزي، وكافأ الخديو «محمد سلطان باشا» بعشرة آلاف فدان وعشرة آلاف جنيه ذهب، كما كافأ الثانى «سعود الطحاوي» صديق عرابى الحميم وبلدياته بألفيّ فدان وألفيّ جنيه ذهب، أما الخونة الآخرون قادة جيش عرابى الثلاثة فقد احتقرهم الإنجليز أشد الاحتقار لخيانتهم قائدهم، وحنثوا بوعدهم لهم ولم يعطوهم شيئًا، وأحيل الخائن «على خنفس» إلى الاستيداع بمعاش 12 جنيها، وعاش بقية حياته محتقرًا من الجميع لا يكلمه أحد من أهله أو جيرانه إلى أن مات وحيدًا ومحتقرًا.
No comments:
Post a Comment