فاروق جويدة: لا تلوموا إلا أنفسكم!
مازلت أعتقد عن يقين ان ثورة يناير كانت حدثا عظيما وصفحة مضيئة في تاريخ مصر الحديث.. رغم تلال التراب التي انهالت عليها كذبا وانتقاما سوف تبقى في ضمير المصريين لحظة من لحظات الإرادة الشعبية الجارفة التي اقتلعت الفساد وأعادت للشعب كرامته.. رغم حشود الدجل التي حاولت تشويه هذه اللحظة إلا انها تحدت الجميع وسوف تؤكد الأيام انها أقوى من معارضيها وأبقى من مروجي الشعارات والأكاذيب.. أقول هذا وأنا لا أرى لها وجودا في انتخابات البرلمان القادم فقد سادت القطيعة بين شباب هذا الوطن وبين أجياله التي مازالت تسيطر على مقدرات هذا الشعب تحت مسميات كثيرة.. من يراجع خريطة المرشحين سوف يحزن كثيرا على هذه الصورة المهلهلة للواقع السياسي في الشارع المصري.. سوف يكتشف حجم الدجل والزيف الذي مازال حتى الآن يسيطر على الساحة السياسية وقد توارت وسط هذا الركام صورة ثورة يناير التي شوهتها أكاذيب الإعلام ودجل الراقصين تحت أقدام السلطة والمهرولون خلف كل صاحب قرار..
لا أجد مكانا لشباب مصر في صخب الانتخابات ومن يرد ان يتابع فعليه ان يقرأ الصورة على حقيقتها ويكتشف ان أشباح الماضي مازالت تدور حولنا وان روائح البرلمانات السابقة مازالت تملأ المكان وان الماضي يوشك ان يستعيد مكانته رغم ان هذا الشعب لن يسمح أبدا لهذا الماضي الثقيل ان يطل علينا بسوءاته مرة أخرى سوف يكون خطأ فادحا ان نرى مرة أخرى تحت قبة البرلمان فلول الوطني أو بقايا الإخوان لأنه لا يعقل بعد ثورتين ورحيل نظامين وخلع رئيسين ان نعود مثلما كنا..
< أريد ان أفهم ماذا يعني اقتحام أسماء مشبوهة ساحة البرلمان بهذه الجرأة وهذه الوقاحة ماذا يعني ان تطل في مقاعده الأولى صور الكومبارس والراقصات وحشود الفن الهابط التي أفسدت أجيالا وعقولا وضمائر.. على أي أساس ومن أي منطلق وجدت هذه الأشباح فرصة دخول البرلمان.. ان الحرية مسئولية.. والفن رسالة.. والبرلمان ضمير شعب وحين تتلوث كل هذه الأشياء فلا مكان للحرية ولا ضرورة للبرلمان.. اوقفوا هذا الهزل لأن وجها واحدا يمكن ان يلوث ماء النهر كله..
< أريد ان أفهم كيف أطلت صور الماضي القبيح تتحدث عن أمجادها السياسية وان الشارع المصري في حاجة لهذه الوجوه لكي تكمل رحلتها في البناء والرخاء ولا أدري عن أي بناء يتحدثون وعن أي رخاء يترحمون.. كان شيئا غريبا ان يطل أعضاء برلمان 2010 المزور والمزيف على ساحات الإعلام يبشرون الناس بعودتهم المباركة هذا يقول ان الشارع السياسي يحتاج لنا وهذا يؤكد ان الرحلة لم تكتمل بعد وانهم قد عادوا لاستكمال المسيرة.. ولا أدري عن أي رحلة يتحدثون عن برلمان التزوير والدجل أم عن صفقات بيع الأصوات وتزوير إرادة الناخبين أولى بهؤلاء وأتباعهم وأبنائهم وحوارييهم ان يعودوا إلى جحورهم لأن الشعب لن يقبل أبدا ان تعود أشباح القهر والتحايل والاستبداد لتتصدر المشهد مرة أخرى..
< أريد ان أفهم ماذا يريد رجال الأعمال من الشعب المصري بعد ان نهبوا ثرواته واستباحوا موارده وجمعوا الثروات من دماء أبنائه.. ماذا يريد أصحاب الملايين الحرام التي تكدست في البنوك والمنتجعات والحسابات الخارجية.. ان أعدادا كبيرة من هؤلاء تقاعست عن الوقوف مع هذا الشعب في محنته إلا قلة منهم وكان إجمالي ما تبرع به هؤلاء لصندوق تحيا مصر ستة مليارات جنيه وهو رقم هزيل بالنسبة لما حصل عليه هؤلاء من ثروات مصر ابتداء بمسلسل الاستيلاء على الأراضي أو بيع مشروعات الخصخصة أو قروض البنوك وصفقات البورصة وألاعيب سوق الدولار..
في مصر آلاف المشروعات التي دفعت الحكومة تكاليفها ولم تنفذ وحصل رجال الأعمال على مستحقاتهم كاملة.. سوف تجد هذه المشروعات الوهمية في المجاري والمياه والكهرباء والصحة والتعليم والسلع الغذائية سوف تجد في كل مجال من هذه المجالات عصابة احتكرت كل شىء ولم تقدم لهذا الوطن أي شىء..
لقد خرج هؤلاء الآن ومعهم الملايين التي جمعوها حراما لكي يعيدو صورة البرلمانات السابقة.. انهم ينفقون الملايين الآن بسخاء لشراء أصوات الغلابة الجائعين في الشوارع رغم ان المال مالهم وما بين أيدي هؤلاء حق مشروع للشعب المسكين.. الا يستحيي هؤلاء وهم يحاولون نهب ثروات هذا الشعب مرة أخرى لقد أخذوا الأراضي والمشروعات وتاجروا في أصوات الناخبين وعادوا مرة أخرى لنفس الطريق يعيدون الماضي إلى سيرته الأولى..
على الشعب المصري ان يسأل هؤلاء ومن كان منهم في البرلمانات السابقة أين 2.5 ترليون جنيه ديون مصر سوف تدفعها الأجيال القادمة.. عليهم ان يسألوا أنفسهم أين 400 مليار جنيه أموال التأمينات والمعاشات استولت عليها الحكومة بالباطل.. عليهم ان يسألوا أنفسهم أين مشروعات الخصخصة ابتداء بالمحالج وصناعة الأسمنت وانتهاء بالشواطئ التي استولت عليها جماعات المغامرين.. عليهم ان يسألوا أنفسهم ما هي ممتلكاتهم حين دخلوا مجلس الشعب وما هي أرصدتهم الآن في البنوك والممتلكات.. عليهم ان يسألوا أنفسهم عن الضرائب التي سددوها والملايين التي استولوا عليها وأين حق الشعب المصري في ذلك كله..
إذا وجد هؤلاء إجابة عن هذه الأرقام وهذه التساؤلات يمكن ان يعودوا إلى البرلمان بعد إعادة المال المنهوب..
< لا أتصور ان نعيد تجربتنا المريرة مع تجار الدين وزجاجات الزيت والسكر والأرز.. لا أتصور من يعتقدون ان تحية العلم كفر وان النشيد الوطني جريمة وان الحرية فقط للواقفين معنا في خندق واحد.. ان الدين اسمى من ان تلوثه ألاعيب السياسة وأعظم من ان يحتويه برنامج حزب أو جماعة.. على كل من يرغب ان يجد لنفسه مكانا تحت قبة البرلمان ان يكون هدفه خدمة الناس وإخراجهم من معاقل الجهل والتخلف إلى آفاق التقدم والمعرفة.. كانت لنا تجارب سابقة مع جماعات الإسلام السياسي وكانت الأزمة الحقيقية معهم انهم لا يرون سواهم وانهم يرفضون كل فكر أو رأي أو موقف لا يتناسب مع ثوابتهم حتى وان كانت طريقا للشطط والعنف.. بل والإرهاب.. لا يمكن ان يقف إنسان ضد دين أو عقيدة ولكن الشطط في كل شىء مرفوض ومكروه.. ان المواطن المصري لا يريد الشعارات التي تتخفى وراء الدين أو الشريعة انه يريد مدرسة يتعلم فيها.. وبيتا يؤويه وعملا ينصفه وحياة حرة كريمة تحترم آدميته..
< لا أتصور ان أجد أمامي مرة أخرى برلمان 2010 وكتيبة رجال الأعمال تتصدر المشهد كله حيث لا مكان لمفكر أو كاتب أو صاحب رأي.. من كان يصدق ان الحزب الوطني المنحل لم تكن فيه لجنة ثقافية ولم يعترف يوما بأي نشاط ثقافي أو فكري وكانت القوة الوحيدة التي يعترف بها هي قوة رأس المال الذي نصبوه سلطانا على الجميع.
كنت أتصور اننا بعد ثورة يناير وثورة يونية سوف نفتح آفاقا لأحزاب شبابية جديدة وتعلن الحكومة دعمها هذه الأحزاب بالمال والفكر والمشاركة وان تعلن الأحزاب القديمة برامج لتنمية قدرات الشباب وتأهيلهم سياسيا ومهنيا بحيث تتخرج منها أجيال قادرة على الحوار مع الشارع واكتساب خبرات وقدرات جديدة.. كنت أتصور اننا الآن وبعد ما يقرب من خمس سنوات على الثورة سوف نجد في الانتخابات البرلمانية جيلا واعدا من الشباب يتصدر المشهد ويؤكد ان مصر قد تغيرت هل يعقل ان يكون بيننا 60 مليون شاب لا مكان لهم على الساحة فلا هم ممثلون سياسيا ولا هم أقاموا أحزابا ولا هم شركاء في صنع القرار..
كيف بالله نسلم هؤلاء مصر كاملة لهم بعد سنوات قليلة لا تتجاوز أصابع اليدين.. لقد كانت جريمة في حق هذه
الأجيال الشابة انها لم تجد من الدولة دعما ولم تجد من الأحزاب تأييدا ولم تجد من القوى السياسية المختلفة أي
رغبة في الإصلاح أو التغيير أو الشراكة.. كنت أتصور ان يتصدر الشباب مقدمة الصفوف في الانتخابات البرلمانية ويكتسحون أشباح الماضي التي بدأت تطل وتصرخ ان الساحة خالية وانها الأحق والأجدر بملء هذا الفراغ الرهيب وعلى الشعب ان يقبل هذه العودة بعد خمس سنوات من ثورة يناير.. وبعد صحوة الشعب في يونية ضد جماعة متسلطة لا ينبغي ان يفرط المصريون في حقهم في برلمان يليق بثورتهم ودماء شهدائهم..
سيكون عارا علينا ان نجد أنفسنا أمام برلمان 2010 المعدل في عام 2015 في صورة استنساخ لا تتناسب أبدا مع إرادة هذا الشعب ورغبته في التغيير..
سيكون عارا علينا ان نجد في برلمان مصر أشباه الكومبارس وفناني الدرجة الثالثة وعصابة إهدار الذوق العام وإفساد أجيالنا القادمة..
سيكون عارا علينا ان يعود سماسرة الحصانة وتجار الأراضي وخدام كل سلطة وسماسرة التأشيرات والمتاجرون بالدين ولصوص الأراضي والقطاع العام.
نحن أمام حشود من المضاربين بالمال والسلطة والدين والوطن وكل هؤلاء عرفناهم وعشنا مع ألاعيبهم سواء مع الشعب أو في سراديب السلطة ولا ينبغي ان يجدوا مكانا لهم في البرلمان القادم حتى لا يعيد الزمن دورته ونجد أنفسنا أمام صور أخرى للاستبداد والتسلط ونهب ثروات الوطن.
ان الشعب المصري قد تعلم من دروس الماضي ولا أتصور ان يعيد أخطاءه فيبيع صوته بزجاجة زيت أو سكر أو ان يبيع صوته لتجار الانتخابات مرة أخرى ان هذا يعني ان نرى أشباح الماضي وقد تحكمت مرة أخرى وسيطرت على مقدرات هذا الشعب.
يجب ان يسقط المصريون كل من تاجر بهم وباعهم لحكام مستبدين تحت راية الشعارات أو راية الدين ان مصر تستحق برلمانا حقيقيا يعبر عن إرادة شعبها.. وهي جديرة برموز تدرك حجم المسئولية بكل ما تحمله من الترفع والصدق والأمانة.. لقد جربنا نماذج كثيرة كريهة ومضللة ومستبدة ولا يعقل ان نستنسخ الضلال مرة أخرى..
إذا جاء البرلمان شبيها لما سبق فلا تلوموا إلا أنفسكم هذه الأشباح يجب ان تختفي للأبد لتبدأ مصر عهدا جديدا
يليق بها.
No comments:
Post a Comment