الحروب أسباب كثيرة قد تكون معلنة وقد تكون خفية قد تقوم من أجل هدفٍ نبيل: كالفتوحات الإسلامية، أو تكون من أجل رفع ظلم عن شعب من الشعوب.
وقد تقوم من أجل أغراض أخرى ربما تكون مطامعَ استعمارية أو اقتصادية أو من أجل رغبة في احتلال منطقة ما من أجل الحصول على ثروات ومغانم عدة.
ولكن أن تعلن الحرب صراحة وعلانية من أجل نشر تجارة الأفيون فى منطقة ما أو دولة من الدول بغرض تحقيق أرباح هائلة فهذا هو قمة العجب، وربما قمة في الخسة والاستهتار بمشاعر الشعوب ومقدراتهم.
ولهذا فهذه الحرب التي تسمى حرب الأفيون في رأيي أنها الحرب الأكثر خسة في التاريخ الحديث.
لقد وقعت حرب الأفيون بين بريطانيا والصين ومرت بمرحلتين (حرب الأفيون الأولى – حرب الأفيون الثانية) وفي الثانية اشتركت فرنسا إلى جانب بريطانيا ضد الصين.
وكانت هناك علاقات تجارية كبيرة بين بريطانيا والصين واستمرت فى النمو العظيم إلى أن بلغت أشدها في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي حينما قامت بريطانيا بفتح أسواق الصين أمام التجارة العالمية, وطلب الملك البريطاني (جورج الثاني) من الإمبراطور الصيني (شيان لونج) توسيع العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
ولكن الإمبراطور أجابه: إن إمبراطورية الصين السماوية لديها ما تحتاجه من السلع. وليست في حاجة لاستيراد سلع أخرى من البرابرة. فلم تستطع بريطانيا في ظل هذه الظروف إلا تصدير القليل جدا من سلعها إلى الصين، وفي المقابل كان على التجار البريطانيين دفع قيمة مشترياتهم من الصين وخاصة (الشاي والحرير والبورسلين نقدًا بالفضة, مما تسبب في استنزاف موارد بريطانيا وخسارة كبيرة للتجار الإنجليز في ذلك الوقت.
فلجأت بريطانيا إلى حيلة ماكرة لتحويل الخسارة إلى مكسب، دفعت شركة (الهند الشرقية البريطانية) والتي كانت تحتكر التجارة مع الصين، دفعتها إلى زراعة الأفيون في (شمال ووسط الهند) وتصديره إلى الصين كوسيلة لتحقيق الربح الهائل وتعويض خسارتها السابقة على حساب الصين وشعبها.
وتم تصدير أول شحنة كبيرة من الأفيون إلى الصين في عام 1781ميلاديا. وقد لاقت تجارة الأفيون رواجًا كبيرًا في الصين وبدأ الشعب الصيني في إدمان الأفيون. وتسربت (الفضة) من جيوب الصينيين إلى خزانة بريطانيا وجيوب تجارها. وبدأت مشاكل الإدمان تظهر على الشعب الصيني.
وهنا كان لابد من اتخاذ موقفٍ حازمٍ حيال ذلك فقام الإمبراطور (يونغ تشينج) بأخذ قرار قاطع في عام (1829) م بإصدار أول مرسوم بتحريم استيراد الأفيون، ولكن شركة الهند الشرقية البريطانية كان لها رأي آخر واستمرت في تهريب الأفيون للشعب الصيني.
ونظرًا لطمع بريطانيا في تحقيق مزيدٍ من الربح, استمرت عمليات التهريب على أوسع نطاق, وهناك قاعدة سائدة تقول: كلما زاد الإدمان قل المال وهذا ما حدث بالفعل.
إذا أصبح المجتمع الصيني على شفا الانهيار يعاني من التفكك والإدمان إلى الحد الذي جعل بعضهم يبيع كل ما يملك من أجل الحصول على الأفيون.
وإزاء هذه الأزمة اتخذ الإمبراطور الصيني قرارًا آخر بحظر استيراد الأفيون بل قام بما هو أكثر من ذلك حينما أرسل ممثله إلى مركز تجار الأفيون واستولى على مدخراتهم من الأفيون والتي بلغت حوالي ألف طن, وقام بإحراقها في احتفال مهيب وضخم.
وكان هذا الإجراء الأخير نذيرًا بنشوب معركة حقيقة وخروج النار للعلن بعد أن كانت مستعرة تحت الرماد, ودقت طبول الحرب التي سميت بحرب الأفيون الأولى (1840-1842) وأرسلت إنجلترا أسطولها إلى الصين عام 1840 م، وعلى الرغم من مقاومة الصينيين العنيفة إلا أن النصر كان حليفًا لبريطانيا والتي نجحت في احتلال (دينغ هاي) واقتربت من البوابة البحرية لـ(بكين).
فاضطر الإمبراطور الصيني إلى توقيع معاهدة إذلال مع بريطانيا المنتصرة تسمى معاهدة (فان جنح).
والتي نصت على تمتع الواردات البريطانية بضريبة خاصة وتنازل الصين عن ميناء (هونخ كونغ) لبريطانيا وتحديد خمسة موانئ أخرى للتجارة البريطانية فقط. وحصلت بريطانيا بموجب هذه الاتفاقية على لقب (الدولة الأولى بالرعاية).
وتدخلت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا للحصول على امتيازات شبيهة بتلك التي أخذتها بريطانيا فحصلت الأولى على لقب الدولة الأكثر رعاية والثانية على امتيازات تجارية وحرية التبشير داخل الصين.
وفيما يبدو لم تحقق تلك الاتفاقية ما تصبو إليه الدول الاستعمارية وخاصة أن الحظر لتجارة الأفيون مازال مستمرًا وهذا يعني خسارة فادحة لهذه الدول, لذلك طلبوا من الإمبراطور الصيني تعديل الاتفاقية السابقة ولكنه رفض حفاظًا على شعبه وإنقاذًا لهم من براثن الإدمان.
ومن ثم بدأت هذه الدول تبحث عن ذريعة للتدخل في شؤون الصين, فاستغلت حادثة تفتيش إحدى السفن البريطانية وإنزال العلم البريطاني منها واعتقال بحاريها بالإضافة إلى مقتل مبشر فرنسي, استغلت هاتان الدولتان (بريطانيا- فرنسا) تلك الحادثة في إعلان الحرب على الصين؛ تلك الحرب التي تسمى حرب الأفيون الثانية (1856-1860).
واستطاعت فيها القوات البريطانية والفرنسية دخول ميناء “جوانج شو”، والاتجاه نحو ميناء تيان القريب من بكين، مما جعل الإمبراطور يوقع اتفاقية (تيان جين) في عام 1858م والتي كانت تحوي نصوصًا خطيرة وربما كان أخطرها الاعتراف بالأفيون سلعة تجارية يسمح باستيرادها.
ونصت اتفاقية (تيان جن) أيضًا على التصديق عليها خلال عام من توقيعها. وحين تأخر إمبراطور الصين في التصديق, استخدمت بريطانيا وفرنسا القوة مرة أخرى لتحقيق أهدافهما, واستطاعت قواتهما دخول “تيان جن” ووصلوا إلى القصر الصيفي للإمبراطور في بكين ونهبوا ما به من تحف وأشياء ثمينة.
اضطر الإمبراطور في نهاية الأمر إلى التصديق على مطالبهم والتوقيع على الاتفاقية. الأمر الذي أدى فيما بعد إلى ارتفاع حصيلة مدمني الأفيون في الصين من (مليوني) مدمن عام 1850م ليصل إلى عشرات الملايين سنة 1878م, وظلت الحرب سجالا ولم تنته حروب الأفيون نهائيًا إلا باتفاقية 8 مايو 1911.
وهذه الحرب توضح كيف تحل الدول الكبرى أزمتها ومشاكلها على حساب الدول الفقيرة وشعوب لا حول لهم ولا قوة, فصفحات التاريخ مليئة بمثل تلك الأحداث, فهناك مثلا الاتفاق الودي بين إنجلترا وفرنسا والذي نص على أن تترك إنجلترا يد فرنسا في المغرب, وتقوم الأخيرة بإطلاق يد إنجلترا في مصر, وهناك مثالٌ آخر للرئيس الأمريكي ويلسون (صاحب المبادئ الأربعة عشر) والتي منها حق الشعوب في تقرير مصيرها, وفي أول اختبار حقيقي تنكر لسعد زغلول ومطالب الأمة المصرية بإنهاء الحماية البريطانية على مصر ووافق وأقر بها.
وهكذا الأمر دائما, وهذه الحرب قد تلقي الضوء من قريب أو من بعيد على أمر في غاية الأهمية, وهو أن تجارة المخدرات وغيرها من الأمور السيئة, قد يكون وراءها دول تروج لها من أجل تحقيق مأربها ومكاسبها الثمينة حتى لو كان الثمن قتل وتدمير شعوب ضعيفة وطيبة لا ذنب لهم.
وقد تقوم من أجل أغراض أخرى ربما تكون مطامعَ استعمارية أو اقتصادية أو من أجل رغبة في احتلال منطقة ما من أجل الحصول على ثروات ومغانم عدة.
ولكن أن تعلن الحرب صراحة وعلانية من أجل نشر تجارة الأفيون فى منطقة ما أو دولة من الدول بغرض تحقيق أرباح هائلة فهذا هو قمة العجب، وربما قمة في الخسة والاستهتار بمشاعر الشعوب ومقدراتهم.
ولهذا فهذه الحرب التي تسمى حرب الأفيون في رأيي أنها الحرب الأكثر خسة في التاريخ الحديث.
لقد وقعت حرب الأفيون بين بريطانيا والصين ومرت بمرحلتين (حرب الأفيون الأولى – حرب الأفيون الثانية) وفي الثانية اشتركت فرنسا إلى جانب بريطانيا ضد الصين.
وكانت هناك علاقات تجارية كبيرة بين بريطانيا والصين واستمرت فى النمو العظيم إلى أن بلغت أشدها في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي حينما قامت بريطانيا بفتح أسواق الصين أمام التجارة العالمية, وطلب الملك البريطاني (جورج الثاني) من الإمبراطور الصيني (شيان لونج) توسيع العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
ولكن الإمبراطور أجابه: إن إمبراطورية الصين السماوية لديها ما تحتاجه من السلع. وليست في حاجة لاستيراد سلع أخرى من البرابرة. فلم تستطع بريطانيا في ظل هذه الظروف إلا تصدير القليل جدا من سلعها إلى الصين، وفي المقابل كان على التجار البريطانيين دفع قيمة مشترياتهم من الصين وخاصة (الشاي والحرير والبورسلين نقدًا بالفضة, مما تسبب في استنزاف موارد بريطانيا وخسارة كبيرة للتجار الإنجليز في ذلك الوقت.
فلجأت بريطانيا إلى حيلة ماكرة لتحويل الخسارة إلى مكسب، دفعت شركة (الهند الشرقية البريطانية) والتي كانت تحتكر التجارة مع الصين، دفعتها إلى زراعة الأفيون في (شمال ووسط الهند) وتصديره إلى الصين كوسيلة لتحقيق الربح الهائل وتعويض خسارتها السابقة على حساب الصين وشعبها.
وتم تصدير أول شحنة كبيرة من الأفيون إلى الصين في عام 1781ميلاديا. وقد لاقت تجارة الأفيون رواجًا كبيرًا في الصين وبدأ الشعب الصيني في إدمان الأفيون. وتسربت (الفضة) من جيوب الصينيين إلى خزانة بريطانيا وجيوب تجارها. وبدأت مشاكل الإدمان تظهر على الشعب الصيني.
وهنا كان لابد من اتخاذ موقفٍ حازمٍ حيال ذلك فقام الإمبراطور (يونغ تشينج) بأخذ قرار قاطع في عام (1829) م بإصدار أول مرسوم بتحريم استيراد الأفيون، ولكن شركة الهند الشرقية البريطانية كان لها رأي آخر واستمرت في تهريب الأفيون للشعب الصيني.
ونظرًا لطمع بريطانيا في تحقيق مزيدٍ من الربح, استمرت عمليات التهريب على أوسع نطاق, وهناك قاعدة سائدة تقول: كلما زاد الإدمان قل المال وهذا ما حدث بالفعل.
إذا أصبح المجتمع الصيني على شفا الانهيار يعاني من التفكك والإدمان إلى الحد الذي جعل بعضهم يبيع كل ما يملك من أجل الحصول على الأفيون.
وإزاء هذه الأزمة اتخذ الإمبراطور الصيني قرارًا آخر بحظر استيراد الأفيون بل قام بما هو أكثر من ذلك حينما أرسل ممثله إلى مركز تجار الأفيون واستولى على مدخراتهم من الأفيون والتي بلغت حوالي ألف طن, وقام بإحراقها في احتفال مهيب وضخم.
وكان هذا الإجراء الأخير نذيرًا بنشوب معركة حقيقة وخروج النار للعلن بعد أن كانت مستعرة تحت الرماد, ودقت طبول الحرب التي سميت بحرب الأفيون الأولى (1840-1842) وأرسلت إنجلترا أسطولها إلى الصين عام 1840 م، وعلى الرغم من مقاومة الصينيين العنيفة إلا أن النصر كان حليفًا لبريطانيا والتي نجحت في احتلال (دينغ هاي) واقتربت من البوابة البحرية لـ(بكين).
فاضطر الإمبراطور الصيني إلى توقيع معاهدة إذلال مع بريطانيا المنتصرة تسمى معاهدة (فان جنح).
والتي نصت على تمتع الواردات البريطانية بضريبة خاصة وتنازل الصين عن ميناء (هونخ كونغ) لبريطانيا وتحديد خمسة موانئ أخرى للتجارة البريطانية فقط. وحصلت بريطانيا بموجب هذه الاتفاقية على لقب (الدولة الأولى بالرعاية).
وتدخلت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا للحصول على امتيازات شبيهة بتلك التي أخذتها بريطانيا فحصلت الأولى على لقب الدولة الأكثر رعاية والثانية على امتيازات تجارية وحرية التبشير داخل الصين.
وفيما يبدو لم تحقق تلك الاتفاقية ما تصبو إليه الدول الاستعمارية وخاصة أن الحظر لتجارة الأفيون مازال مستمرًا وهذا يعني خسارة فادحة لهذه الدول, لذلك طلبوا من الإمبراطور الصيني تعديل الاتفاقية السابقة ولكنه رفض حفاظًا على شعبه وإنقاذًا لهم من براثن الإدمان.
ومن ثم بدأت هذه الدول تبحث عن ذريعة للتدخل في شؤون الصين, فاستغلت حادثة تفتيش إحدى السفن البريطانية وإنزال العلم البريطاني منها واعتقال بحاريها بالإضافة إلى مقتل مبشر فرنسي, استغلت هاتان الدولتان (بريطانيا- فرنسا) تلك الحادثة في إعلان الحرب على الصين؛ تلك الحرب التي تسمى حرب الأفيون الثانية (1856-1860).
واستطاعت فيها القوات البريطانية والفرنسية دخول ميناء “جوانج شو”، والاتجاه نحو ميناء تيان القريب من بكين، مما جعل الإمبراطور يوقع اتفاقية (تيان جين) في عام 1858م والتي كانت تحوي نصوصًا خطيرة وربما كان أخطرها الاعتراف بالأفيون سلعة تجارية يسمح باستيرادها.
ونصت اتفاقية (تيان جن) أيضًا على التصديق عليها خلال عام من توقيعها. وحين تأخر إمبراطور الصين في التصديق, استخدمت بريطانيا وفرنسا القوة مرة أخرى لتحقيق أهدافهما, واستطاعت قواتهما دخول “تيان جن” ووصلوا إلى القصر الصيفي للإمبراطور في بكين ونهبوا ما به من تحف وأشياء ثمينة.
اضطر الإمبراطور في نهاية الأمر إلى التصديق على مطالبهم والتوقيع على الاتفاقية. الأمر الذي أدى فيما بعد إلى ارتفاع حصيلة مدمني الأفيون في الصين من (مليوني) مدمن عام 1850م ليصل إلى عشرات الملايين سنة 1878م, وظلت الحرب سجالا ولم تنته حروب الأفيون نهائيًا إلا باتفاقية 8 مايو 1911.
وهذه الحرب توضح كيف تحل الدول الكبرى أزمتها ومشاكلها على حساب الدول الفقيرة وشعوب لا حول لهم ولا قوة, فصفحات التاريخ مليئة بمثل تلك الأحداث, فهناك مثلا الاتفاق الودي بين إنجلترا وفرنسا والذي نص على أن تترك إنجلترا يد فرنسا في المغرب, وتقوم الأخيرة بإطلاق يد إنجلترا في مصر, وهناك مثالٌ آخر للرئيس الأمريكي ويلسون (صاحب المبادئ الأربعة عشر) والتي منها حق الشعوب في تقرير مصيرها, وفي أول اختبار حقيقي تنكر لسعد زغلول ومطالب الأمة المصرية بإنهاء الحماية البريطانية على مصر ووافق وأقر بها.
وهكذا الأمر دائما, وهذه الحرب قد تلقي الضوء من قريب أو من بعيد على أمر في غاية الأهمية, وهو أن تجارة المخدرات وغيرها من الأمور السيئة, قد يكون وراءها دول تروج لها من أجل تحقيق مأربها ومكاسبها الثمينة حتى لو كان الثمن قتل وتدمير شعوب ضعيفة وطيبة لا ذنب لهم.
No comments:
Post a Comment