بدل
اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق – المحبوس حاليا- عام 2010 شعار وزارة
الداخلية من "الشرطة في خدمة الشعب" إلى "الشرطة والشعب في خدمة
الوطن".. فأنشغل عقلي لفترة ليست ببسيطة بتفسير الشعار الجديد، وتساءلت ماذا
يقصد العادلي بهذا الشعار؟، وما هو تعريف الوطن بالنسبة له ولقيادات وزارته؟..وبعد
بحث توصلت للب عقيدة الشرطة، واتضح لي أن الوطن بالنسبة للعادلي وضباطه هو الحاكم،
وأن مناهج كلية الشرطة تزرع في الطلبة – صغار الضباط- عقيدة "الأمر
للحاكم".. والغلبة لمن يجلس على العرش.. والوطن لمن حكم اى كان.
وكان
لزاما علي كي اخرج بنتيجة منصفة لا تجني فيها، أن ابدأ البحث من منهاج كلية
الشرطة، وهنا اتضحت لي عقيدة العادلي وضباطه، وعرفت أن ضباط الشرطة تربوا وتعلموا
الطاعة للحاكم دون تفسير الأوامر.. وان الولاء لمن حكم مهما كان وأي كان
حكمه،ومناهج كلية الشرطة ضمت قصص وأمثلة درسها الطالب خلال أربع سنوات دعم هذه
المبادئ وتختزل "الوطن" في الحاكم اى كان.
فمثلا
وجدت في كتاب "الضبط الإداري" – الوظيفة الإدارية للشرطة- الذي يدرس
للطلبة في الفصل الأول من الفرقة الثانية بكلية الشرطة صفحة 51، قصة بطولة لضابط
شرطة أبان الاحتلال الانجليزي ضد المحتل، وصفها الكتاب بأنها عمل إجرامي ووصف
الضابط بالمجرم لأنه خالف أوامر الحاكم –الاحتلال وقتها-، وتقول القصة الحقيقية
" كان البكباشي – مقدم- محمد كامل مأمورا لبندر أسيوط، حين اندلعت ثورة 1919م
وامتد لهيبها الى الصعيد، ودارت معارك طاحنة بين قوات الاحتلال والأهالي العزل فما
كان من المأمور البطل إلا أن فتح غرفة "السلاحليك" – مخزن السلاح- على
مصراعيها، وترك الثوار يغترفون منها البنادق والطبنجات والذخيرة ليقاوموا بها
جحافل الغزاة المسلحين.
=أمام
صمود أهالي أسيوط فقد الانجليز أعصابهم فأخذوا يطلقون الرصاص على المتظاهرين في
وحشية.. وتساقط مئات الشهداء والجرحى، وسالت الدماء فى الشوارع كأفواه القرب، مما
دفع الثوار الى مزيد من العناد والصلابة والإصرار ومقاومة الاحتلال، وشددوا من
هجماتهم على المعسكرات البريطانية.
ولأول
مرة في تاريخ الصعيد.. وفي صباح 24 مارس 1919.. قامت طائرتان حربيتان بصب
حمولتيهما من القنابل على المدينة الباسلة، في غارات وحشية، وتساقط المئات دون ان
ينال ذلك من روح الأهالي وصلابتهم.
وعلم
أهل أسيوط بقدوم قطار من الأقصر، يقل بعض كبار الضباط الانجليز فى طريقهم الى
القاهرة.. وأرسلت مديرية امن اسيوط إشارة إلى جميع مراكز ونقط الشرطة، لتشديد
الحراسة على المحطات.. ولكن الضباط، بدلا من أن يشددوا الحراسة، ابلغوا الأهالي
حتى لا يفلت الصيد الثمين، وتحركت جموع الثوار من القرى والنجوع نحو محطة ديروط،
حتى إذا توقف القطار اندفعوا داخله كالسيل، وانهالوا ضربا على الضباط الانجليز
فقتلوا منهم اثنين، ومعهما خمسة جنود، وكان لهذا الحادث أثره في أسيوط، فشدد
الانجليز الحصار على المدينة استعدادا للانتقام منها، وأرسل القائد البريطاني
رسالة الى البكباشي محمد كامل مأمور البندر يطلب اليه فيها التسليم، فكان جواب
الضابط الذي تحول الى ثائر: لن تدخلوا المدينة الا فوق أشلائنا.. وبدأت القذائف
تمطر بوابل من النيران.. ولكن المأمور لم يستسلم.. وقام بتوزيع ما تبقى لديه من
سلاح على الأهالي، وقاد جنوده والمتطوعين من الأهالي للقيام بواجب الدفاع عن
المدينة الصامدة، إلى ان وصلت تعزيزات انجليزية هائلة من القاهرة، وتم اقتحام
المدينة، واعتقلت القوات البريطانية مأمور أسيوط وقدمته للمحاكمة وأصدرت المحكمة
حكمها بإعدام البكباشي محمد كامل.. وتلقى الرجل الحكم فى شجاعة نادرة هاتفا من
داخل القفص.. "نموت نموت وتحيا مصر.. ويسقط الاحتلال الانجليزي".
هذه
القصة تشرحها مناهج كلية الشرطة باعتبارها جريمة إدارية ارتكبها البكباشي محمد
كامل، لأنه كسر الأوامر وانقلب على الحاكم وبالتالي خان الوطن وشرف الزي
العسكري!!، ومن ثم فهو مجرم ولا يجب على الضابط أن يخالف الأوامر وأن يعمل مخلصا
لحماية النظام.
وبما
أن مناهج كلية الشرطة المعدلة عام 1975م، قد اعتبرت الشرف الوطني خيانة، والدفاع
عن المواطنين العزل والوقوف في صفهم ضد النظام اى كان جريمة، وربت ضباطها وقيادتها
على هذه المبادئ والمفاهيم، إذن فمن المنطقي جدا أن يعتبر حبيب العادلي وزير
الداخلية الأسبق ومن خلفه من وزراء وقيادات شرطية، الثورة ضد الحاكم خيانة، وان
الشعب إن لم يطيعوا في صمت مجرمون، واى اعتراض أو تزمر يجب أن لا يقابل إلا
بالرصاص.. ومنطقي أيضا أن يسقط في كل مظاهرة قتلى وجرحى نتيجة عمليات الفض من قبل
الشرطة.. ثم يصبح التطور الطبيعي لهذه العقيدة أن يتحول شعارهم إلى "الشرطة
والشعب في خدمة الوطن" والوطن هو الحاكم.. إذن هي عقيدة ولا نقاش في
عقيدة!..فلا تنتظروا خدمة الشرطة للشعب.. فالشرطة دائما وأبدا في خدمة الحاكم.
No comments:
Post a Comment