ناغورني قره باغ
التسمية
ناغورني
كلمة روسية تعني مرتفعات وتعني في الوقت نفسه جبال، أما كلمة قره باغ فتعني الحديقة
السوداء، أي أن ناغورني قره باغ هي ترجمة لمرتفعات الحديقة السوداء. ويطلق الأرمن
الذين يعيشون في الإقليم عليها اسم "آرتساخ" وهي كلمة مكونة من مقطعين الأول
"آر" نسبة إلى "آرا" إله الشمس عند الأرمن القدماء، و"تساخ"
وتعني غابة أو كرمة. وبذلك تعني كلمة "آرتساخ" غابة أو كرمة الإله
"آرا". أما الأذر فيعرفونها باسم "يوخاري قره باغ"، أو "قره
باغ العليا" بالمعنى الحرفي.
.جذور الصراع
روح العداء بين
الأرمن والآذر في منطقة القوقاز قديمة ولها أسبابها العرقية والدينية والتاريخية، وبالأخص
إبان بسط الإمبراطورية العثمانية سيطرتها على تلك المناطق قبل عدة قرون. لكن بوادر
تفجر الصراع في إقليم ناغورني قره باغ تحديدا تعود إلى العشرينيات من القرن الماضي.
ولفهم أبعاد
الصراع يجدر القول بداية أن هذا الإقليم من الناحية الجغرافية يقع في قلب أذربيجان
لكن من الناحية الديمغرافية تسكنه أغلبية أرمينية بنسبة 95%.
جذور الصراع
تختلف وجهات نظر
المؤرخين والمهتمين بالصراع بين أرمينيا وأذربيجان -المتمثلة أبرز معالمه في التنازع
على ناغورني قره باغ- في تحديد طبيعته على النحو التالي:
1-
أنه صراع عرقي.
2-
أنه تنافس جيوبوليتيكي لا يشمل الأرمينيين والأذربيجانيين
وحدهم بل يتعداهم إلى الأتراك والروس والولايات المتحدة وإيران والاتحاد الأوربي.
3-
أنه استمرار لعداء تاريخي محمل بإرث كبير من
الكراهية الدفينة بين الأرمن وكل من الأذر والأتراك.
الموقع
والمساحة
إقليم ناغورني
قره باغ هو أحد أقاليم أذربيجان، وعاصمته ستبانا كيرت (نسبة إلى الزعيم البلشفي الأرمني
ستيبان شاهوميان) ويقع الإقليم غرب العاصمة الأذرية باكو بحوالي 270 كلم. وتبلغ مساحته
حوالي 4800 كيلومتر مربع.
السكان
يقدر عدد سكان
ناغورني قره باغ بـ145 ألف نسمة، 95% منهم أرمن والـ5% الباقية من أعراق أخرى. ونظرا
لموقع ناغورني قره باغ وكونها نقطة التقاء بين الإمبراطورية العثمانية والفارسية والروسية
فقد شهد هذا الإقليم عددا كبيرا من الحروب وتنقلات وعمليات هجرة ونزوح بين السكان،
لذا فليس مستغربا في التاريخ الديمغرافي لناغورني كارابخ أن تكون إحدى الجماعات
العرقية أو الشعوب في قرن من القرون أغلبية وفي قرن آخر أقلية.
وقبل اشتداد
العداوات بين العرقين الأذري والأرمني كان الأرمن يسكنون العاصمة ستبانا كيرت ويمثلون
أغلبية السكان، في حين كانت مدينة شوشا -مركز قره باغ فيما قبل العهد السوفياتي-
تضم غالبية أذرية. لكن بعد حرب عام 1992 بين أذربيجان وأرمينيا وبعد أن سيطر الجيش
الأرمني على ناغورني قره باغ أجبر جل سكان الإقليم من الأذر على الرحيل.
وكان أغلب الأذر
في ناغورني قره باغ قبل التهجير، من المسلمين الشيعة وبينهم بعض
السنة الأكراد. أما الأرمن فهم مسيحيون ينقسمون مذهبيا بين الكاثوليكية والأرثوذكسية.
تشبه اللغة
الأذرية الأناضولية التركية بشكل كبير. أما اللغة الأرمينية فهي لغة هندو أوروبية لها
أبجدية فريدة. وتختلف لغة الأرمن في قره باغ عن تلك التي يتحدث بها الأرمن في جمهورية
أرمينيا، ومع ذلك فكل منهما يفهم الآخر
نفصال كاراباخ
وإعلان الاستقلال
في الخامس والعشرين
من ديسمبر/كانون الثاني عام 1991 تفكك الاتحاد السوفيتي وانفرط عقد جمهورياته، وفي
أوائل عام 1992 أعلنت كل من أرمينيا وأذربيجان استقلالهما، وعلى الدرب نفسه فاجأ القادة
السياسيون في إقليم ناغورني قره باغ العالم بإعلان استقلالهم ورغبتهم في قيام جمهورية
مستقلة غير تابعة لا إلى أذربيجان ولا إلى أرمينيا.
أذربيجان
اعترضت على إعلان استقلال قره باغ واعتبرته انفصالا وتمردا، بل ذهبت أبعد من ذلك واعتبرت
ما قام به الانفصاليون هناك "مسرحية" تمت بالاتفاق المسبق مع أرمينيا.
الحرب الأذرية
الأرمينية
من جهتها أعلنت
أرمينيا دعمها للقادة السياسيين الأرمن ومدهم بالمال والسلاح، وهو ما نظرت إليه أذربيجان
على أنه بمثابة إعلان الحرب، فاندلع القتال بينهم بالفعل واستمرت الحرب طوال الفترة
من 1992 حتى التوصل لوقف إطلاق النار عام 1994، وكانت نتائج تلك الحرب -خاصة على الجانب
الأذري- فوق الاحتمال.
أسفرت الحرب التي
اندلعت بين أرمينيا وأذريجان بسبب ناغورني قره باغ في الفترة من
1992-1994 عن مقتل ما بين 30 إلى 35 ألفا من الأذر والأرمن وتشريد حوالي مليون إنسان.
خسائر
الأذر
أعداد القتلى الأذر
غير محددة بدقة من بين إجمالي من سقطوا من كلا الجانبين. لكن الثابت أن أغلب الخسائر
البشرية تركزت في الجانب الأذري وذلك لأن أذربيجان خرجت من هذه الحرب منهزمة، فقد خسرت
6 مقاطعات إضافة إلى إقليم ناغورني قره باغ
وهو ما يمثل في مجموعه 20% من مساحة أذربيجان الكلية ولا تزال هذه المقاطعات حتى العام
2008 محتلة.
كذلك أُجبر
ما بين 600 إلى 700 ألف أذري على ترك مناطق عيشهم نتيجة للحرب وما صاحبها من عمليات
تطهير عرقي. من بين هؤلاء 60 ألفا من إقليم ناغورني قره باغ وحده
وأربعة آلاف أذربيجاني من أصول كردية من منطقتي لاتشين وكيلباجار وعدة آلاف من جماعات
عرقية مختلفة أغلبهم من الروس والبقية من المقاطعات المحيطة بقره باغ.
وتركز تقارير حقوق
الإنسان الضوء على معاناة شرائح واسعة من هؤلاء اللاجئين والنازحين، فتذكر أن حوالي
135 ألفا منهم لا يزالون يقطنون المخيمات المؤقتة والمباني غير المكتملة وعربات القطارات
القديمة المتهالكة.
وتتحدث تلك التقارير
أيضا عن الظروف المعيشية لهؤلاء وكيف أن تلك الملاجئ لا تحميهم من هطل المطر وبرودة
الطقس، والانتشار الكبير لأمراض سوء التغذية لا سيما بين الأطفال منهم فضلا عن قلة
الخدمات التعليمية والصحية المقدمة لهم والبطالة السائدة في أوساط الغالبية منهم.
خسائر الأرمن
أعداد القتلى الأرمن
غير معروفة على وجه الدقة لكن أعداد النازحين جراء حرب 1992- 1994 تقدر بنحو 300 ألف
نازح، جلهم جاء من مناطق كانوا يسكنونها داخل أذربيجان.
ويعاني هؤلاء النازحون
مثل نظرائهم الأذر من قسوة الظروف التي يعيشون في ظلها وما يصاحبها من مظاهر الفقر
والبطالة ونقص الخدمات التعليمية والصحية.
وتتحدث تقارير
المنظمات الدولية عن التسرب من التعليم وانتشار لبعض الأمراض لا سيما المتعلقة منها
بقلة الطعام ورداءة نوعيته وغير ذلك مما هو شائع في حالات اللجوء والنزوح والتشريد
والترحال المتزامن مع نقص المساعدات الحكومية والدولية.
كما أن هناك عوائق
تحول دون التوصل إلى تسوية للصراع بين أرمينيا وأذربيجان على ناغورني قره باغ، توجد
في الوقت نفسه محفزات يرى بعض المراقبين أن بالأمكان تعظيمها والبناء عليها للتوصل
إلى التسوية المنشودة.
No comments:
Post a Comment