"شبة جزيرة سيناء" معضلة مصرية.. تبحث عن حلول
تعيش شبه جزيرة سيناء، شمال شرقي مصر، حالة من الاضطراب الأمني المتزايد جعلتها في صدارة المشهد السياسي الإقليمي والدولي، لاسيما مع تزايد عدد الهجمات التي يشنها متشددون ضد قوات الأمن هناك.
تلك الأحداث جعلت سيناء تتقاطع في مشهدها مع البؤر المتوترة الأخرى في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عما فرضته حساسية الجوار عبر حدودها الشرقية، ما بين إسرائيل من جهة، وقطاع غزة من جهة أخرى.
”الأناضول” أعدت ملفًا تعريفيًا عن شبة جزيرة سيناء انطلاقاً من عمقها الجغرافي، ومن خلال إلقاء الضوء على أهم القضايا الشائكة المرتبطة بها داخلياً وخارجياً، وتأثيرات الحرب الإسرائيلية المصرية عليها في الفترة من 1967 إلى 1973، بالإضافة إلى ظهور الجماعات المتشددة مؤخراً على أراضيها.
مساحة سيناء
تبلغ مساحة شبه جزيرة سيناء نحو 61 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل نحو 6% من مساحة مصر(1.001.450 كم²)، وتنقسم إدارياً إلى محافظتين: شمال سيناء وعاصمتها العريش، وتقع على ساحل البحر المتوسط، وتنقسم إلى ستة مراكز إدارية تضم ست مدن هي (العريش - بئر العبد - الشيخ زويد - رفح - الحسنة - نخل).
أما محافظة جنوب سيناء وعاصمتها الطور، فتتكون من 8 أقسام إدارية هي (أبورديس - أبوزنيمة - نويبع - دهب - رأس سدر - شرم الشيخ - سانت كاترين - طور سيناء - طابا)، وهي عبارة عن 8 مدن تضم 13 وحدة محلية قروية، و81 تجمعًا بدويًا.
الأهمية الاستراتيجية
تعتبر شبه جزيرة سيناء من أكثر الأقاليم المصرية أهمية من الناحية الاستراتيجية، حيث تعتبر البوابة الشرقية لمصر، ومدخلاً أساسيًا لأغلب الهجمات التي تعرضت لها البلاد عبر التاريخ، واكتسبت أهمية متزايدة في الفترة الأخيرة بعد قيام إسرائيل عام 1948، واحتدام الصراع العربي – الإسرائيلي على حدودها الشرقية، والتى كانت سيناء واحدة من ساحاته الرئيسية.
وهو ما لفت إليه اللواء المتقاعد، محمد علي بلال، الخبير العسكري والاستراتيجي، في حديث للأناضول، قائلاً إن “سيناء تمثل محورًا سياسيًا واقتصاديًا واستراتيجيًا هامًا لمصر، بسبب حدودها المتاخمة لإسرائيل، إضافة إلى أنها تربط بين أفريقيا وآسيا”.
إلى ذلك تكتسب سيناء أهمية بالغة من الناحية الاقتصادية –بحسب المراجع الرسمية- حيث تعتبر المورد الأول للثروة المعدنية في مصر، ففي جزئها الغربي يقع عدد من آبار البترول الهامة الموجودة داخل وحول خليج السويس.
كما تتمتع منطقة شرق سيناء بوفرة الكثير من المعادن مثل النحاس، والفوسفات، والحديد، والفحم، والمنغنيز، بالإضافة لكميات من اليورانيوم، كما تحتوي على أجود أنواع الفيروز الموجود بالعالم ولهذا أطلق عليها “أرض الفيروز”.
ويشكل النشاط الزراعي في سيناء أهمية بالغة حيث تقدر مساحة الأراضي المزروعة بها حوالي 175 ألف فدان (الفدان يساوي 4 آلاف و200 مترًا مربعًا) تنتج حوالي 160 ألف طن من الفاكهة والخضار، وحوالي 410 ألف أردب (الأردب يحتوي 150 كيلو) من الحبوب، سنويًا، بحسب مصادر حكومية.
كما تقدر الثروة الحيوانية في سيناء بنحو 265 ألف رأس من الغنم، والماشية.
وتمثل السياحة أحد أهم الجوانب الاقتصادية في المنطقة حيث يوجد عدد من المنتجعات السياحية الشهيرة بمحافظة جنوب سيناء، في مقدمتها طابا، ودهب، وشرم الشيخ، ونويبع.
سيناء والصراع العربي الإسرائيلي
شهدت شبه جزيرة سيناء عددًا من الأحداث العسكرية الهامة في القرن الماضي، مثل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، والذي قامت به بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ثم هزيمة الجيش المصري عام 1967 وهو ما أطلق عليه محليا “النكسة” حيث تمكنت إسرائيل حينها من احتلال سيناء بالكامل، وإقامة تأمينات دفاعية قوية أبرزها “خط بارليف” على الضفة الشرقية للقناة.
واستمر الاحتلال الإسرائيلي لمدة 6 سنوات كاملة، قبل اندلاع حرب أكتوبر/تشرين أول 1973 التي تمكن فيها الجيش المصري من عبور قناة السويس باتجاه سيناء، والاستيلاء على الجانب الغربي منها، ثم الدخول في مفاوضات من أجل انسحاب إسرائيلي كامل من شبه الجزيرة.
وبعد جولات من المفاوضات بين مصر وإسرائيل أعقبت حرب 1973، عُقدت اتفاقية سلام بين البلدين بوساطة أمريكية عام 1978، عُرفت بمعاهدة “كامب ديفيد”، ركزت على الوضع في سيناء بشكل أساسي، حيث تم تقسيم شبه الجزيرة إلى ثلاث مناطق تختلف في درجة التأمين، وعدد القوات المصرية المسموح بتواجدها فيها كالتالي:
* المنطقة (أ):
تبدأ من قناة السويس غربًا وتمتد حتى أقل من ثلث مساحة سيناء، ويسمح في هذه المنطقة (طبقًا للاتفاقية) بوجود فرقة مشاة ميكانيكية واحدة، ولا يزيد عدد الدبابات المصرية عن 230، ولا يزيد عدد الجنود عن 22 ألف.
- المنطقة (ب):
وتبدأ من حدود شرم الشيخ (جنوبًا)، وتتسع على شكل مثلث مقلوب لتصل إلى مدينة العريش، وتضم الممرات الاستراتيجية التي تتحكم في شبه الجزيرة، ويسمح في هذه المنطقة بحد أقصى من التسليح يتمثل في 4 كتائب بأسلحة خفيفة، وبمركبات على عجل، وعدد أفراد لا يتجاوز 400 فرد.
- المنطقة (ج):
وتضم الشريط الحدودي بين مصر وإسرائيل وقطاع غزة بالكامل، وفي هذه المنطقة لا يُسمح لمصر بنشر قوات عسكرية، بل يقتصر الوجود الأمني على الوجود الشرطي بأسلحة خفيفة (سمحت إسرائيل في الآونة الأخيرة، في أعقاب الهجمات الإرهابية في سيناء، بزيادة عدد القوات المصرية بأسلحتها).
وفي هذا الصدد، قال اللواء طلعت مسلم، الخبير الاستراتيجي، في حديث للأناضول إن “القيود الموضوعة على نشر قوات عسكرية مصرية في المنطقة الحدودية بين سيناء وفلسطين المحتلة، كانت من أهم أسباب تغول الجماعات المسلحة هناك”.
وأضاف مسلم أن “الكثافة الضعيفة للقوات الأمنية المصرية في المنطقة “ج” لا تستطيع ردع الإرهابيين أو القضاء عليهم بشكل تام”.
التنظيمات “الإرهابية” في سيناء
على الرغم من تسجيل الجماعات المتشددة صاحبة التوجه العنيف وجودها في سيناء منذ سنين عديدة عبر استهداف المدن السياحية جنوب سيناء، كشرم الشيخ، وطابا، ودهب، إلا أن نشاط تلك الجماعات بدأ في التزايد عقب ثورة 25 يناير/ كانون ثاني 2011، لتبلغ ذروته عقب الإطاحة بأول رئيس مدني منتحب في مصر، محمد مرسي، في الثالث من يوليو/ تموز 2013.
ونشط في سيناء خلال الفترة الماضية عدد من التنظيمات الإرهابية، أبرزها “أنصار بيت المقدس” والذي أعلن في نوفمبر/تشرين ثاني 2014 مبايعة أمير تنظيم “داعش” في العراق وسوريا، أبو بكر البغدادي، وغير اسمه لاحقاً إلى “ولاية سيناء”.
وقاد التنظيم عددًا كبيرًا من الهجمات التي استهدفت مقرات وكمائن تابعة للجيش المصري، مما أسفر عن سقوط عدد كبير من الجنود.
العمليات العسكرية المصرية في سيناء
بدأ الجيش المصري منذ شهر أغسطس/آب 2013 حملة عسكرية واسعة النطاق بعد مقتل 16 جنديًا برصاص مجهولين.
واستمرت الحملة مع تزايد الهجمات التي استهدفت إلى جانب مقرات قوات الجيش والشرطة، تفجير خط الغاز الطبيعي المتجه إلى إسرائيل والأردن.
وفي رد فعل على الهجمات المتصاعدة أعلنت الحكومة المصرية في يناير/كانون ثاني الماضي، إنشاء منطقة عازلة في مدينة رفح على الحدود مع قطاع غزة بطول 1000 متر يمتد مع الشريط الحدودي، ودمرت أنفاقًا تقول إن المسلحين كانوا يستخدمونها لتهريب الأسلحة من القطاع.
ويستخدم الجيش المصري مروحيات “الأباتشي” ومقاتلات “إف 16”، والمدرعات في عملياته التي تستهدف مقرات تمركز ونشاط المسلحين المناوئين له.
القوات الدولية في سيناء
إلى جانب الوجود العسكري المصري في سيناء، توجد قوات أجنبية متعددة الجنسيات “MFO”، وهي قوات غير خاضعة للأمم المتحدة، 40% منها قوات أمريكية والباقي أغلبه من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والقيادة دائماً أمريكية.
وتضم قاعدة القوات متعددة الجنسيات نحو 1500 ضابط وجندي، وتقع على بعد نحو عشرة كيلومترات من الحدود الإسرائيلية جنوب مدينة الشيخ زويد شمال سيناء.
ومهمة تلك القوات، التي أُنشأت عام 1982، بموجب اتفاقية “كامب ديفيد”، هي حفظ السلام بين مصر وإسرائيل.
ولم تسلم تلك القوات من التعرض لهجمات المتشددين، إذ سبق لها وأن تعرضت في 15 سبتمبر/ أيلول 2012 لهجوم أسفر في حينه عن إصابة ثلاثة جنود يحملون الجنسية الكولومبية بشظايا قنبلتين يدويتين أُلقيتا تجاه برج حراسة أثناء وجودهما فيه.
ومنذ ذلك الوقت تم تكثيف جهود حماية القوات الدولية العاملة في سيناء، سواء من قبل السلطات المصرية أو من خلال تحصين القاعدة التي فيها مقر تلك القوات.
في موازاة ذلك يطالب مختار غباشي، رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي)، في حديث للأناضول، بإعادة النظر في وجود القوات الدولية في سيناء، من حيث تحديد حجمها وآلياتها، وانتشارها.
إسرائيل وتطورات الموقف في سيناء
تتابع تل أبيب عن كثب تطورات الموقف في سيناء، وتعتبر نفسها جزءًا أساسيًا في المواجهة الدائرة الآن بين الجيش المصري و التنظيمات المتشددة؛ بعد استهدافها أكثر من مرة من قبل الجماعات المسلحة كان آخرها في يونيو/حزيران الماضي؛ حيث أُطلق صاروخان من سيناء باتجاه إسرائيل وأعلن تنظيم “ولاية سيناء” مسؤوليته عنهما.
وعبرت وسائل إعلام إسرائيلية عن المخاوف من وجود تنظيم “داعش” على الحدود الإسرائيلية – المصرية.
وأعرب إيهود عيلام، في كتابه “الحرب القادمة بين إسرائيل ومصر”، الصادر في أميركا عام 2013، عن إمكانية اندلاع حرب مجددًا بين الجانبين الإسرائيلي والمصري.
ووضع عيلام، الذي عمل مستشارًا لوزارة الدفاع الإسرائيلية، عدة تصورات وسيناريوهات من ضمنها خروج التنظيمات الإرهابية عن سيطرة الجيش المصري، وقيام إسرائيل بالتدخل تحت دعوى منع التنظيمات المتطرفة من تنفيذ عمليات كبرى ضدها انطلاقاً من سيناء.
سامح عباس، أستاذ الدراسات العبرية بجامعة قناة السويس، قال للأناضول: “من المؤكد أن إسرائيل لن تقدم خلال الوقت المنظور على أي تدخل عسكري في سيناء، في حال تدهور الأوضاع الأمنية هناك، لكن من غير المستبعد أن يكون لها دور مخابراتي داخل سيناء سواء من خلال عملاء على الأرض رغم صعوبته، أو من خلال استخدام الوسائل التكنولوجية المخابراتية الحديثة”.
No comments:
Post a Comment