Wednesday, January 8, 2014

نيوتن الجديد الذى لا تعرفة ................... ادخل واستمتع


أدعوك اليوم لقراءة قصة رائعة للكاتب الشاب أحمد عبدالمنعم رمضان من مجموعته الجديدة (فى مواجهة شون كونرى)، ولعلك لن تندهش عندما تعرف أنها كتبت فى عام 2010).
جلس السيد إسحاق نيوتن تحت شجرة التفاح العجوز الممتدة بأعماق أرض خضراء صلبة، بوجهه النحيل مظهرا عظمتى وجنتيه البارزتين وشعره المسدول على كتفيه وأنفه المدبب القبيح، بعدما هجرته حبيبته الشقراء، كانت ممشوقة القوام، طويلة جدا، تتجاوزه بعدة سنتيمترات، بيضاء كالثلج وباردة مثله، هجرته منذ ساعات قلائل بعد علاقتهما الطويلة، الأشبه بعلاقات الغرام بين عنتر وعبلة أو قيس وليلى، غير أنه لم يكن ابن عمها كما كان قيس، بل كان ابن عمها هو منافسه اللدود، كان قصيرا جدا، بالكاد يلامس كتفيها، وكان والدها الأرستقراطى الإقطاعى الوفدى قبل عهد ثورة 52 قد أمرها بالزواج من ابن عمها، هذا الشاب الذى يملك الأراضى والبيوت والمحلات والضمائر والنفوس والمصانع والمزارع والبحار والشواطئ والحيتان والرجال والنساء والأصوات والحناجر..
فى هذا العصر، وقبلما يولد السيد قاسم أمين، لم تكن النساء يجرؤن على مجابهة آبائهن بحقائق مشاعرهن، فلم تعترض الشقراء قطعة الثلج على أمر زواجها من ابن عمها، كما أن ثروته المهولة قد داعبت مشاعرها ولألأت الحياة بعينيها، لم تهتم بكونه متهما بقضايا الفساد أو بكونه مادة يومية لاتهامات جرائد المعارضة 

 
وقنوات الفضائيات، فقط جلست بشرفة منزلها بوستمنستر وأطلقت لعينيها العنان لمطالعة اللوحة الخضراء الممتدة، نظرت للحدائق الغناء وتخيلت كم ستكون سعيدة ومبتهجة بملكيتها لكل تلك الأراضى والقصور والذهب واللآلئ والسحب والأمطار. ولم تتذكر إسحاق بتلك اللحظات إلى أن وطئ بخطاه ذاكرتها، فى الواقع لم تحب اسمه أبدا، إيزاك، كما كانت تنطقه، لم يكن اسما موسيقيا ولم تعرف كيف تدلـله، زيكو؟.
اتصل إسحاق بقطعة الثلج على هاتفها المحمول، فنظرت إلى اسمه وأهملته. اتصل أكثر من مرة وكرر المحاولة لكنها لم تُعره اهتماما، حتى نفد صبره ومشى هائما على وجهه ثم ذهب إلى شجرة مهجورة اعتاد أن يذهب إليها بلحظات صفوه وانكساره.
جلس نيوتن تحت شجرة التفاح، كانت بعيدة عن الشوارع المزدحمة وعوادم السيارات، أرخى ظهره على جذع الشجرة العجوز، وفك أزرار قميصه وأغمض عينيه وجالت قطعة الثلج بخياله المجروح. أفاق على وقوع تفاحة أمريكانى ناضجة على منطقة حساسة من جسده، فقام صارخا وأمسك بخصيتيه متألما، صار يتوجع ويتقلب يمينا ويسارا على الحشائش الرقيقة حتى زالت آلامه تدريجيا فأخذ التفاحة وقضمها وأتم أكلها تماما. وبينما كان يسلك ما بين أسنانه بأظافره، سقطت فوقه تفاحة أخرى، ولكنه تلقفها هذه المرة قبل أن تصطدم به، وظل الوضع هكذا، كلما أكل تفاحة، تقع أخرى فيتلقفها ويأكلها فتسقط أخرى، حتى انتفخت بطنه وأطلق ريحا أحدثت دويا صاخبا، فألقت الشجرة عليه تفاحة أخيرة، لمعت عيناه على أثر هذا السقوط، انتفض من غفوته ونظر إلى الشجرة متأملا مستنبطا من بين ثناياها قانون الجاذبية الخاص به. شكر الله، يدعى البعض أنه صلى ركعتين، وتأكد أن تساقط التفاح المتتالى كان هبة من الله ليدله على شىء ما عاد إلى منزله المتواضع، أنار الأضواء، كانت الكهرباء مقطوعة، ليس بسبب أن صديقه إديسون لم يخترعها بعد، ولكن لأن الحكومة أمرت بتحديد الاستهلاك، فأضاء لمبته الجاز القديمة، سهر ليلته كاتبا أفكاره ومدونا بحثه عما رآه من تلك الشجرة المبروكة ظن أن الحياة قد هلت عليه فاتحة يديها، تناديه متلهفة كعاشقة ولهانة تشتاق لحضن عشيقها الدافئ، ظن أنها مقبلة على إصلاح ما أفسدته، تفاءل كما يفعل السذج، ظن أنه سيصبح أكثر صيتا وثراء من ابن عم محبوبته، سيكون غنيا وسيفوز بجائزة نوبل، رغم أن نوبل لم يولد بعد، سيحقق كل ما يطمح له وسيصبح سيد القوم وعظيمهم، سيعتلى صهوة جواده شامخا ويتبختر وسط جموع جماهيره ومعجبيه اتجه صباحا، إلى المركز القومى للبحوث، تأخر كثيرا بالطريق لأن عمدة لندن كان يمر بموكبه الفخيم من هناك ليفتتح أحد الكبارى استعدادا لترشحه بالانتخابات للمرة الخامسة والعشرين، فقد كان معمرا عاش أطول من نوح. وبعد زمن طويل، وصل إلى المركز، دخل إليه سعيدا مشرئبا متوردا تعتلى وجهه ابتسامة ساطعة وتزين ملامحه فرحة عارمة، كان يرتدى بدلة أنيقة ويبدو كأثرياء القوم أو عظمائهم ــ الشىء الذى لم يعلمه أن معظم من أتوا هنا بدوا كذلك أول مرة. تقدم إلى الموظف المختص، كان عابسا، وحوله بدوره لموظف آخر أكثر اختصاصا وأكثر عبوسا، طالت رحلته بين الموظفين، حتى تشرب بحثه من قطرات عرقه المتساقط بفعل الجاذبية. وانتهى الأمر بأن بحثه سيأخذ دوره بين الأبحاث المقدمة وسيتقرر حينها تسجيل بحثه واعتماده من عدمه مر الشهر تلو الآخر، تزوجت قطعة الثلج من ابن عمها، أنجبت طفلا وأسمته إسحاق، تبرأ زوجها من قضايا الفساد التى لوثته، واتهم بقضيتين أخريين وتناثرت إشاعات عن علاقته بمطربة لبنانية، كل هذا ومازال نيوتن يذهب إلى المركز القومى يوميا ليسأل عن مشروعه المعطل فيطلب منه الموظف الانتظار إلى غد قريب يأتى بأنباء سعيدة، حتى جاءه الخبر اليقين ذات صباح أن مشروع نظريته قد رفض ودون إبداء أسباب، فهاج نيوتن، احمر وجهه، حطم بعض الكراسى وأخذ خشبة من بقايا الحطام وكسر بها زجاج الغرفة، هرول الموظفون وامتزجت أصوات صرخاتهم بأصوات تحطيم الزجاج، خرج وراء بعض الموظفين وسبهم وصب عليهم اللعنات، وارتمى بحضنه بعض أفراد الأمن، فأثاروه أكثر، حتى أنه تطاول على الحكومة بألفاظ نابية، تطاول على الحكومة ورجال الأمن وعمدة لندن وولده وصديق ولده الثرى والملكة وولى العهد، سالت دماؤه كما سالت دماء الموظفين وانهار سريعا بين أيدى رجال الأمن وخر على ركبتيه باكيا بينهم، كانوا أكثر قوة وعافية من سيدنا موسى، مسح دموعه واستجمع قواه وحاول أن يهب واقفا ولكنه سقط مجددا وعلا صوته المنبوح بتهديدات بفضح الجميع، العمدة الخائن وابنه العميل وصديقه المرتشى والوزير الشاذ، لن يترك أحدا إلا ويفضحه انتهى الأمر باتهام السيد إسحاق نيوتن، بعدما طالت ذقنه ورسمت حول وجهه لوحة سيريالية مظلمة، بالانتماء لجماعة سرية ممولة من الخارج تعبث بأمن البلاد».

No comments:

Post a Comment