Thursday, May 8, 2014

اقرا راى عبد البارى عطوان فى السيسى وصباحى ..... نقد لازع لا يفوتك

سباق الرئاسة بين السيسى وصباحى

 عندما التقيت الرئيس المصري محمد مرسي ظهر الرابع من حزيران (يونيو) عام 2013 في قصر الاتحادية في القاهرة قال لي انه يعتمد على حليفين اساسيين في مصر، طبعا غير الشعب المصري وحركة الاخوان التي يؤمن بفكرها، وينتمي اليها عقائديا وتنظيميا، الاول هو السيد حمدين صباحي (ده ابننا) زعيم التيار الشعبي المصري، والثاني هو حزب النور السلفي الذي يعتبر ابرز حزب اسلامي بعد حركة الاخوان المسلمين في مصر.

من المفارقة ان هذين الحليفين كانا اول من تخليا عن الرئيس مرسي وحركة الاخوان المسلمين، فقد انحاز حزب النور السلفي الى الانقلاب العسكري الذي اطاح برئاسة الدكتور مرسي، بينما انضم السيد حمدين صباحي الى جبهة الانقاذ التي ايدت “ثورة 30 حزيران (يونيو)” وحرضت على الانقلاب ومهدت له.

***

قضيت طوال يوم امس دراسة وتأمل ما تيسر من الافكار والمواقف التي وردت في المقابلتين التلفزيونيتين للمرشحين الوحيدين في انتخابات الرئاسة المصرية، اي المشير عبد الفتاح السيسي والسيد حمدين صباحي باحثا عن الفوارق الجوهرية بين برنامجيهما الانتخابيين فلم اجد الا فوارق محدودة جدا.

الارضية الصلبة المشتركة بين المرشحين هي العداء المطلق لحركة الاخوان المسلمين والاتفاق على استئصالها، وابعاد الجيش عن السياسة، والحفاظ على اتفاقات كامب ديفيد (صباحي قال انه سيطالب بتعديلها لا الغائها)، والانحياز للفقراء وتحفيز الاقتصاد لخلق فرص عمل، والابقاء على المعونة الامريكية (صباحي طالب بابقاء الشق العسكري منها فقط)، وربما ميز السيد صباحي نفسه عن “خصمه” السيسي بالابقاء على الدعم للسلع الاساسية للفقراء وفرض ضرائب تصاعدية على الاغنياء.

لاحظت في برنامج السيد صباحي امرين ملفتين كان من الصعب علي المرور عليهما مرور الكرام في هذه العجالة:

*الاول: التناقض الكبير في موقف السيد صباحي فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية، فقد قال “لا نريد اقصاء ولا استثناء، ولكن نريد طريق العدالة وانهاء الانقسام والاستقطاب وصولا الى وحدة مصر”، ولكنه ناقض نفسه كليا عندما اكمل بقوله “ان حركة الاخوان المسلمين لا مستقبل لها في مصر.. والاخوان فشلوا في الحكم فكرهم استبعاد واقصاء واستعلاء وحموا الارهاب ودعموه” وذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما قال حازما “سنحظر الاخوان كحزب وجماعة”. والخلاف الحالي في مصر هو بين الاخوان وانصارهم من جهة والمشير السيسي والتيار الليبرالي واليساري الداعم له الى جاني قطاع من الشعب المصري يعارض حكم الاخوان.

*الامر الثاني: عدم اعطاء البعد العربي الاهمية التي يستحق في برنامجه بحكم ناصريته، واكتفائه بخطوط عريضة عمومية مثل “البحث عن كيان بديل لجامعة الدول العربية، وصياغة اتحاد عربي جديد يحافظ على استقلال الدول ويربطها بالدفاع المشترك والتنمية والتعليم والثقافة وايجاد عملة عربية موحدة”، فبينما تعهد المشير السيسي انه لن يزور اسرائيل الا بعد قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، لم يطرح السيد صباحي، او هكذا اعتقد، مواقفه الصلبة التي طالما رددها تجاه القضية الفلسطينية وتحرير الاراضي المحتلة، وانتقاداته لمبادرة السلام العربية، ومعارضته التطبيع وتأييده للمقاومة واغلاق السفارة الاسرائيلية، ورفض الحصار المفروض على قطاع غزة، وآمل ان اكون مخطئا في اعتقادي هذا.

وكان لافتا ان المرشحين تنافسا فيما بينهما على الانتماء الى ارث الزعيم جمال عبد الناصر، وتبني سياساته ومواقفه، لادراكهما ان هذا الارث ما زال محفورا في اذهان الشعب المصري حتى ان المشير السيسي قال في مقابلته التلفزيونية المطولة “ان عبد الناصر ليس صورة معلقة على حوائط بيوت المصريين وانما قلوبهم، ولكن الطروحات العروبية القوية الجامعة كانت ضعيفة وباهتة في برنامجي المرشحين باستثناء بعض الاشارات الى تعزيز العلاقة مع الدول الخليجية، باستثناء قطر التي اشترط صباحي توبتها، وغاب عن الخطابين المشروع النهضوي العربي الذي يجب ان ينافس او يوازي المشاريع الايرانية والتركية والاسرائيلية.

ندرك جيدا انه سباق اعد لحصان واحد هو المشير السيسي، ونتيجته معروفة قبل ان يبدأ، وكنا نتوقع ان يطرح السيد صباحي برنامجا مختلفا اكثر شراسة وثورية، لانه ليس لديه ما يخسره في نهاية المطاف، اللهم الا اذا كان يتطلع لمنصب قيادي في العهد الجديد، كنائب لرئيس الجمهورية مثلا، او رئيس للبرلمان، على اعتبار ان منصب رئيس الوزراء محجوز للسيد عمرو موسى مثلما تشير معظم التكهنات، فالكثير من انصاره وهم بالملايين يفضلونه معارضا صلبا شرسا لتقويم اي اعوجاج مستقبلي.

الطريق الاسرع والانجع لاخراج مصر من ازماتها هو طريق المصالحة الوطنية والتعايش في اطار عملية ديمقراطية صحيحة، فاذا كان الاخوان ارتكبوا خطيئة كبرى عنوانها الاقصاء والاستعلاء ورفض التعايش والمشاركة، مثلما يتهمهم خصومهم واولهم السيد صباحي، وبعض هذه الاتهامات تنطوي على بعض الصحة، فان هؤلاء الخصوم يمارسون الاخطاء والخطايا نفسها، ولكن دون ان يلومهم او ينتقدهم احد في ظل التعميم والتضليل الاعلاميين.

                               ***

حركة الاخوان المسلمين هي احوج الجميع الى اجراء مراجعات معمقة لكل سياسات المرحلة الماضية، والاعتراف بالاخطاء اولا، وصياغة سياسات يعيدة النظر تستوعب المتغيرات وتقبل بالآخر، حتى تتجنب الوقوع في الاخطاء نفسها، والحفاظ على الحد الادنى من وجودها وتماسكها واختيار التحالفات الصحيحة بالتالي التي لا تتخلى عنها مع اول مفترق، واقرأوا المقال من اوله.

مصر، وبعد عشرين يوما، ستدخل مرحلة القبضة الحديدية تحت لافتة حفظ الامن والاستقرار، وبدأت بوادر هذه المرحلة من خلال احكام الاعدامات والحبس المؤبد لآلاف المعتقلين، وصحيح ان المشير السيسي ظهر في مقابلته التلفزيونية الماراثونية ببزة مدنية انيقة، ولكنه لم يخلع البزة العسكرية مطلقا.

الحكم على المرحلة الجديدة لن يستغرق وقتا طويلا فاذا اصدر المشير “الرئيس″ السيسي عفوا عن المعتقلين والغى عقوبة الاعدام الصادرة في حق الف منهم، وبدأ صفحة جديدة من التسامح، فهذا يعني انه يريد تعايشا ومشاركة ووحدة ومصالحة وطنية، اما اذا ابقى على هذه الاحكام وصادق على تنفيذها ونصب المشانق فان علينا ان نتوقع عودة الاحكام العرفية وقوانين الطواريء، الامر الثاني الاكثر ترجيحا مثلما هو واضح من برنامج المشير السيسي وطروحاته في مقابلته التلفزيونية.

No comments:

Post a Comment