حـكـم أخـذ الشـَّعـر أو الظـُّـفــُر في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يُضحِّي
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأكمل التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد:
فإنه حين يُهِلُّ هلالُ ذي الحجة من كل عام, وتدخل العشر المباركة منه, ويبدأ الناس بالاستعداد للأضاحي, ويتهيأون لاستقبال عيد الأضحى: يأتي سؤال الكثيرين في تلك الغمرة مع حَيْرة وتردد لكثرة ما يسمعون: هل يجوز لمن أراد أن يضحي إذا هلَّ هلال الحجة ودخلت العشر أن يأخذ شيئاً من شعر رأسه, أو لحيته, أو ظفره, أو نحو ذلك, أم لا يجوز؟
وحين وجدت ذلك يتكرر مراراً, ويُطرح في المجالس ليلاً ونهاراً, حتى كثُر فيه الجدال والنقاش, ولم أر مَن بَسَطَ القول في هذه المسألة, ولم أجد مَن كَتَبَ فيها كتابة مستقلة مفردة, وجدت نفسي أمام بحث جدير بأن يُخَصَّ بدراسة متعمقة مستقصيةٍ لما ورد في هذه المسألة من أقوالٍ للفقهاء, وما استدلوا به من أدلة, مع بيان وجهة نظر كلٍّ منهم.
وهكذا استعنت بالله تعالى على ذلك, راجياً منه جلَّ وعلا السداد والصواب والقبول, والإخلاص في القول والعمل.
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً, والحمد لله أولاً وآخراً.
الأضـحــيــة
لغة: بضم الألف, وقيل بكسرها, وتخفيف الياء وتشديدها, وجمعها: أضاحي. ويقال لها: ضَحِيَّة: بفتح الضاد, وتشديد الياء, وجمعها: ضحايا([1]). والأضحية في الشرع: هي الشاة التي تُذبح يوم الأضحى, أو ما يُذكَّى من النَّعَم تقرباً إلى الله تعالى في أيام النحر بشرائط مخصوصة. وقد شُرعت الأضحية في السنة الثانية من الهجرة, وهي السنة التي شرعت فيها صلاة العيدين, وزكاة المال([2]).
فـضــــل الأضـحــيــة
1ـ عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله r قال: (ما عمل آدمي من عمـل يوم النَّحْر أحبَّ إلى الله من إهراق الدم, إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها, وأشعارها, وأظلافها, وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض, فطيِّبوا بها نفساً)([3]).
2ـ قال الترمذي([4]): ويروى عن النبي r أنه قال: (في الأضحية لصاحبها بكل شعرة حسنة).
3ـ وعن علي t أن رسول الله r قال: (يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك, فإن لك بأول قطرة مغفرة لكل ذنب, أَمَا إنه يُجاء بلحمها ودمها توضع في ميزانك سبعين ضعفاً). قال أبو سعيد: يا رسول الله. هذا لآل محمد خاصة, فإنهم أهلٌ لما خُصُّوا به من الخير, أو للمسلمين عامة؟ قال r : (لآل محمد خاصة, وللمسلمين عامة). الحديث([5]).
حـــــكــم الأضــحـيــة
اختلف فقهاء المذاهب الأربعة في حكم الأضحية على قولين:
القول الأول: أنها واجبة, وبهذا قال الحنفية([6]): أبو حنيفة ومحمد وزفر والحسن بن زياد وإحدى الروايتين عن أبي يوسف.
والواحب هنا عند الحنفية على مصطلحهم, وهو درجة بين الفرض والسنة, كما أنه على مراتب, بعضها آكد من بعض: فوجوب سجدة التلاوة آكد من وجوب صدقة الفطر, ووجوب صدقة الفطر آكد من وجوب الأضحية, وذلك باعتبار تفاوت الأدلة في القوة([7]).
القول الثاني: أنها سنة مؤكدة, وبهذا قال المالكية([8]) والشافعية([9]) والحنابلة([10]), ورواية عن أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة.
ومما استَدل به أصحاب القول الأول: ما رواه أبو هريرة t قال: قال رسول الله r : (مَن وَجَد سَعَةً فلم يضحِّ: فلا يقربنَّ مصلانا)([11]).
وجه الدلالة: أن مثل هذا الوعيد لا يلحق بترك غير الواجب.
ومما استَدل به أصحاب القول الثاني: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله r يقول:
(ثلاثٌ هنَّ علي فرائض, وهنَّ لكم تطوع: الوتر, والنحر, وصلاة الأضحى) ([12]).