Friday, November 11, 2016

خيارات السيسى ثلاثة طرق.. والرابع خطر جدا.....................د.عمار على حسن

بعد أن أظهر الرئيس السيسى توجهاته الاقتصادية، وانحيازاته الاجتماعية، وتصوراته السياسية، بشكل لا لبس فيه، لم يعد بوسع أحد أن ينكر صورة السلطة الحالية فى مصر ونفوذها القائم على الطوعية، وأن الاقتناع لم يعد كما كان فى الشهور التى أعقبت تغييب حكم جماعة الإخوان، كما أن علاقتها بالمسار الثورى الذى انفجر فى 25 يناير 2011 أخذت تتكشف بشكل جلى، وفى الوقت نفسه فإن إدراكها مسائل من قبيل «الحفاظ على الدولة» و«إقامة الحكم المدنى الحديث» و«الديمقراطية» و«التنمية» بات أوضح فى ذهن الشعب ومخيلته مما كان عليه وقت أن كانت العواطف ملتهبة بنبذ الإخوان، والثقة فى تغير الأحوال بعد رحيلهم.



وبعد أن جرت فى نهر السياسة المصرية مياه غزيرة عاد سؤال المصريين عن المصير الذى ستؤول إليه البلاد، وعاد الحديث عن المسارات التى يمكن أن تسلكها السلطة الحالية، بعد أن هدأت العواطف حيالها، وتراكمت أفعالها وتصرفاتها وتدابيرها بما أوجد فرصة لتقييمها، بل السعى إلى تقويمها، لاسيما فى ظل الأزمات الاقتصادية المتوالية، والانفراد بالقرار السياسى، ومجافاة الدستور أو إهماله، وسجن الآلاف من شباب الثورة، وإلحاق ضرر بالغ بحقوق الإنسان، وتقييد الحريات العامة، وعدم وجود إرادة واضحة وقاطعة فى محاربة الفساد، وعودة الممارسات المتجاوزة للقانون التى يقوم بها جهاز الشرطة، والاستمرار فى سياسة تفزيع الشعب تحت دعايات «المؤامرة على مصر»، وغياب أى بديل للحكم الحالى.

فى ضوء ما سبق، تقود قراءة السياق الذى يحكم العملية السياسية إلى الاعتقاد أن السلطة الحاكمة فى مصر تواجه ثلاثة خيارات أساسية، على النحو التالى:

1ـ خيار الحفاظ على نظام الحكم بأى ثمن: ليس من قبيل التجنى أن نقول إنه لم يحدث، إلى الآن، تغيير جوهرى أو جذرى وعميق فى نظام حسنى مبارك، فقد ذهب هو أو سقط عن عرشه، وبقيت «المباركية» طريقة فى تفكير السلطة، وأسلوب عمل لأجهزة الدولة ومؤسساتها، ثم راحت تختلط، مع السيسى، بالجوانب السلبية من الساداتية.

وقد يرجع هذا بالأساس إلى أن من تولوا الحكم عقب خلع مبارك لم يكن فى حسبانهم أو فى نيتهم الاستجابة لمطالب الثورة، فالمجلس العسكرى، الذى تسلّم الحكم فى 11 فبراير 2011، تعامل مع ما بدأ فى 25 يناير بوصفه مجرد انتفاضة ضد التوريث، وكان همّه الأساسى هو الحفاظ على تماسك كيان الدولة الذى تعرض لهزة عنيفة، فضلاً عن افتقار أعضاء هذا المجلس إلى الخبرة الكافية لإدارة شؤون الحكم، وكذلك طبيعة الجيش كمؤسسة أمنية بيروقراطية نظامية مسلحة تعتقد أن المجتمع يجب أن ينتظم على شاكلتها، لذا فهى لا تحبذ تعددية الآراء والمواقف واختلاف المشارب والمناهل والتوجهات.

من أجل هذا، حاول المجلس طوال الوقت «تبريد الثورة» وخفض سقف مطالبها أو تفريغها من مضمونها تدريجياً، بل تشكيك الناس فيها، لدفعهم إلى التخلى عنها، وبالتالى إهمال مطالبها، وفى مقدمتها الحرية، والعدالة الاجتماعية، واستقلال القرار الوطنى.

وجاء حكم جماعة الإخوان، فلم يترجم هذه المطالب إلى واقع عملى، لأن الإخوان اعتبروا الثورة «فرصة» تاريخية منحها الله عبر الشعب لهم للانتقال من «مرحلة الصبر» إلى «مرحلة التمكين» سريعاً، فضلاً عن أنهم من المنشأ أو الأساس لم يكن لديهم أى بدائل حقيقية عما كان يجرى قبل ثورة 25 يناير.

وبعدما أطيح بحكم الإخوان مرت مصر بمرحلة انتقالية أو تأسيسية جديدة، لتجد السلطة نفسها فى مواجهة موجة أخرى من إرهاب الجماعات المتطرفة والتكفيرية التى تحالفت مع الإخوان، وتستفيد من إمكانياتهم المادية أو من المظلة السياسية التى يوفرونها تحت لافتة تسمى «الدفاع عن الشرعية»، حتى لو كانوا يختلفون مع الإخوان فكراً وتنظيماً.

وتحت ذريعة أن لا صوت يعلو فوق صوت «مكافحة الإرهاب» وجدت السلطة السياسية التى يأتى على رأسها الرئيس عبدالفتاح السيسى مبرراً تسوقه لعموم الناس بأن الوقت لا يسمح بترف اسمه «إنجاح الثورة»، ولاسيما أن المعركة مع الإخوان كانت لاسترداد الدولة التى أصبحت إبان عهدهم فى خطر، ولايزال هذا الخطر مستمراً من وجهة نظر السيسى ليس على أيدى الإرهابيين فحسب، بل بفعل المؤامرات الخارجية أيضاً، رغم أن السلطة نفسها بدأت تتحدث عن احتمالات المصالحة مع الإخوان، وتحسن العلاقة مع الخارج.

2ـ خيار الانتصار للثورة: هذا الخيار هو أكثر الخيارات نجاعة فى كسب الشرعية وتعزيز رضا الجماهير والحفاظ على تماسك الدولة وغلق الطريق أمام إعادة الأمور إلى الوراء، سواء بعودة المباركية أو بعودة الإخوانية. فالثورة، بمعنى الرغبة فى تغيير الأوضاع إلى الأفضل، مطلب تلتف حوله الأغلبية الكاسحة من المصريين، مع تمنيهم- بالقطع- تجنب الأعراض الجانبية لها من اضطراب اجتماعى وغموض.

فثورة 25 يناير انطلقت لأن شروطها كانت متوافرة كاملة، وما زاد سخط الناس على المجلس العسكرى الأول ومن بعده على«الإخوان»، أنهما أهملا مطالب الثورة المستحقة، وغير القابلة للتأجيل، وراحا يعملان ما فى وسعهما من أجل أن تبقى الأمور على حالها.

لكن ما يعوق هذا المسار الآن هو أن من جلسوا فى مقاعد الحكم بعد يونيو 2013 ليسوا من الثوريين، بل هم مزيج من أتباع النظام القائم، والمنحازين إلى الخيار الأمنى، والميالين إلى رفض التغيير، بل يقود كثير منهم الثورة المضادة. وهذا أمر خطير جداً، سواء على السلطة الراهنة، إن استمرت فى عدم الاستجابة لنداءات العدالة الاجتماعية، وفى فعل ما يجرح كرامة المواطنين، ويخنق الحريات العامة.

3ـ خيار الإصلاح: يعنى هذا الخيار عدم الاستجابة الفورية والسريعة لاستحقاقات الثورة، واتباع النهج الإصلاحى الذى يقوم على ترك الآليات والإجراءات التى يحددها الدستور من تداول سلطة، وتعددية سياسية، وتكافؤ فرص بين المتنافسين السياسيين، ونزاهة الانتخابات، ورقابة شعبية، وتقوية المؤسسات، وحضور المجتمع المدنى، لتصحيح أخطاء الماضى تباعاً وتحقيق ما أراداه الثوار، ولاسيما أن الفساد والاستبداد نجما عن «التأبد فى الحكم» وضعف المجتمع فى مواجهة السلطة.

لكن هذا المسار يبدو متعثراً، الآن، إلى حد بعيد، خاصة مع عدم احترام الدستور، وغياب أى إجراءات لمكافحة الفساد، وسن قوانين تضيق على الحريات العامة من تفكير وتعبير وتدبير، وعودة التسلطية إلى قرارات الحكم وإجراءاته، واتخاذ إجراءات اقتصادية يقسو تأثيرها على الفقراء والمهمشين.

فى ضوء ما سبق، يبدو خيار الانتصار للثورة من قبيل «التفكير بالتمنى»، لاسيما أن كثيراً من تصرفات السلطة الحالية هى أقرب لإرادة وتصورات «القوى المضادة للثورة»، خاصة مع تواطئها وصمتها على تشويه ثورة يناير، ومطاردتها لرموزها وشبابها بأكثر من طريقة تتراوح بين السجن والاستبعاد من دوائر القرار مروراً بالاغتيال المعنوى، وقبل كل هذا عدم ترجمة أحلام شبابها فى إقامة دولة مدنية حديثة إلى خطط وبرامج وقرارات وإجراءات.

كما أن خيار «الإصلاح» الحقيقى يبدو مستبعداً، وإن تطرقت السلطة إليه فإنها لن تغادر الدعاية الجوفاء والمظهرية، مثلما كان يفعل نظام مبارك، لاسيما فى ظل الاستغراق فى تغليب الأمن والتنمية على الديمقراطية، وكأن بينهما تناقضاً، والعودة إلى «التعددية المقيدة» و«الحزبية الشكلية» والعمل بكل طاقة من أجل عدم ميلاد أى بدائل للسلطة الحالية، وتمكين الزبانية الذين كانوا يحكمون البلاد أيام مبارك من رقبة القرار وركائز القوة فى المجتمع والدولة.

لهذا يبقى الحفاظ على النظام هو الخيار الذى تسلكه السلطة، وتسوقه باعتباره يمثل الحفاظ على الدولة، وتفعل وستفعل كل شىء فى سبيل تحقيق هذا الهدف، بما يزيد من الفجوة بينها وبين الشعب بمرور الوقت، وعندها قد تتعثر الخيارات والمسارات من جديد، وتحتاج بالقطع إلى إعادة ترتيب على أسس مغايرة، بما يخلق طريقاً رابعاً هو الأخطر لو كانوا يعلمون.

No comments:

Post a Comment