Monday, February 20, 2017

من هو سييد ياسين ?لمبة الجاز

«تفتحت عيناى على الحياة فوجدت المرحوم والدى سيد بك محمد ياسين يمارس الأعمال الحرة، وكان من كبار المقاولين وكان يعهد إليه بعمليات تقوية وتكسية جسور النيل، إلى مقاولات عامة أخرى، وكان له «رفاصات» فى النيل.
ورث ياسين عن أبيه العمل فى نقل المحاصيل على المراكب الشراعية فى النيل، ولم يكن الميراث الذى آل إليه عملاً تجارياً فحسب، لأنه ورث ديناً ثقيلاً بمقاييس السنوات الأولى من القرن العشرين، وكان عليه أن يتخلص من هذا العبء قبل أن يشق طريقه فى تاريخ الاقتصاد الوطنى وأدخل صناعة الزجاج بعد سنوات قضاها فى مشروع رائد لم يكتمل للنقل الداخلى بمدينة القاهرة.
وفى جريدة «أخبار اليوم» وفى عدد ١٩ أكتوبر ١٩٥٧ كتب الصحفى الكبير على أمين: «قال لى رجل الأعمال محمد ياسين، إنه بدأ من الصفر، وبدأ حياته العملية بدين عات قدره ٣٠٥ آلاف جنيه، وفضل أن يشقى ويجتهد ويعمل على سداده، وكانت كل هذه الديون «دين شرف» أى ضمانات لأصدقاء صهينو على الدفع، وتمثل هذه التجربة مفتاحاً لفهم شخصية الاقتصادى الكبير التى كانت تتميز بالجدية والالتزام وتحمل للمسؤولية، وتجنب كل ما يثير الشبهات».
عاش ياسين حياته شريفاً ملتزماً محباً للعمل الجاد المخلص متوافقاً مع نفسه حريصاً على العطاء بلا حدود، مترفعاً عن التماس الأعذار أو تبرير ما لا يرضاه الضمير الحى.


 بداية العشرينيات كانت كل المنتجات الزجاجية الموجودة فى مصر مستوردة و على رأسها لمبة الجاز.

طيب ما علاقة هذا الكلام بشخص يعمل في المقاولات؟
ورث (محمد سيد يس) عن والده شغلانة المقاولات. لاحظ يس أن مصر تعتمد في تنقلاتها على الحناطير أو الترام، وكان الجشع يسيطر على كليهما، عمال الترام يضربون عن العمل كل فترة مطالبين بزيادة الأجور فتتوقف العربات، فلا يصبح أمام الناس إلا الحناطير التي يرفع أصحابها أجرتها أيضا استغلالا للموقف.

قرر أن يحول «لورى» من التى يستخدمها في المقاولات إلى أتوبيس نقل عام بدكك حديدية و اتجه لترخيصه.


وضعه الضابط الإنجليزى في التحدى الأول، بأنه أمر غير مقبول أن يستخدم لورى نقل الدبش لنقل الناس.

قام يس بإعادة تشكيل مؤخرة اللورى و تخليصه من أية معادن زائدة ثم زرع فيها مقاعد خشبية خفيفة ،و صنع من اختراعه هذا أكثر من 22 قطعة ليصبح الموضوع أمرا واقعا، ثم حصل على الترخيص.

كان التحدى الثانى هو الناس، فقد اعتبروا تلك المخلوقات التي تسير أسرع من الترام و الحناطير وسيلة للإنتحار، فهجروها، و كانت الأتوبيسات تخرج من الجراجات كل يوم و تعود فارغة لا تحمل إلا لعنات الناس.

أكثر من شهر و نصف الشهر لم يصعد راكب واحد إلى متن أى من ال22 أتوبيسا، اقترح كثيرون على يس أن (يفضها سيرة) و يغلق باب الخسارة ، لكنه طلب من الاتوبيسات أن تتحرك طول اليوم في الشوارع حتى يألفها الناس و ينسوا خوفهم منها.



شخص واحد جرىء صعد يوما إلى واحد من تلك الأتوبيسات، وعندما عاد بالسلامة إلى المقهى أخبر ناسه، بعدها انفتح باب الخير و نجح المشروع. نجح و حقق مكاسب خيالية لدرجة أن الحكومة سحبت الترخيص و منحته لشركة انجليزية.



على باب المحكمة قال له مندوب الحكومة، قضيتك ستستغرق مالا يقل عن عشر سنوات ستحصل بعدها على 150 الف جنيه، ما رأيك أن تسحب القضية و تحصل الآن على 16 ألف جنيها نقدا؟ اختار يس( الخسارة القريبة) على أمل تحويلها إلى (مكسب قريب أيضا)،ثم فكر أنه لن يعود إلى المقاولات لكن إلى أين يذهب؟ عندما تأمل (لمبة) الجاز في غرفة خفير منزله ووجد أنها مصنوعة في بلجيكا، سأل نفسه: كم لمبة جاز مستوردة في بيوت مصر ؟ كان قرار يس إن يعيد إلى مصر صنعة هي بشهادة كل كتب التاريخ من اختراعها، صدرتها إلى العالم ثم بدأت تتسول منه إنتاجه.

من أين يبدأ يس وهو الذى لا يعرف شيئا واحدا عن صناعة الزجاج ؟

انطلق إلى ألمانيا و منها إلى عدة دول مجاورة في زيارات لمصانع الزجاج هناك، حصل على ما يكفيه من خبرة للانطلاق، تأمل العملية الإنتاجية وما الذى تحتاج إليه ثم عاد محملا بالعلم و بعدد من خبراء الصناعة الأجانب.

قرر يس أن يقتحم السوق من النقطة التي تجعله صاحب نصيب مهم فيها فتخصص في صنع بلورة اللمبة الجاز، شق طريقه بصعوبة وسط أباطرة الإستيراد الذين يقفون بضراوة في وجه أي صناعة وطنية، و على مدى ثلاث سنوات كان يخسر كثيرا، لأن العمال المصريين لم يتقنوا الصنعة بعد، و عندما أتقنوها كان بحاجة إلى إقناع المصريين و كل بيوتهم تعتمد على اللمبة الجاز بتشجيع المنتج الوطنى، كان النجاح بطيئا، لكن بدأب يس المعروف استطاع أن يجد لنفسه مكانا في السوق، ثم رأى أن الوقت أصبح مناسبا ليصبح مشروعه أكبر و أوسع نشاطا.

اختار يس قطعة أرض في شبرا الخيمة، و صمم مصنعه الكبير الذى يحلم به، ثم حسب حسبته فوجد أنه بحاجة إلى 80ألف جنيه.

رفضت جميع البنوك أن تضع يدها في يد هذا المجنون الذى باع أرضه و اتوبيسات النقل و جميع ما يملك من أجل مصنع زجاج، إلا طلعت حرب، الذى قرر أن يقرضه ما يطلب،سألوه كيف تفعل ذلك؟، قال حرب:» للأسباب نفسها التي رفضتم من أجلها إقراضه، فهذا رجل باع كل ما يملك من أجل مشروع ولست أدرى كيف تبدأ الصناعة إلا بمجازفة مدروسة؟».

في سنوات قليلة كبر مصنع يس للزجاج، استقرت منتجاته في كل بيوت مصر على اختلاف مستوياتها، تحول مصنعه إلى مؤسسة صناعية اجتماعية، فاختار إلى جوار المصنع قطعة أرض مطلة على النيل صممها كملاعب و حمام سباحة و مسرح للعمال، في البداية كان يعمل في المصنع أكثر من 150 مهندسيون المانيا و تشيكوسلوفاكيا، طوروا المهنة و رفعوا مستوى العمالة المصرية ثم عادوا إلى بلادهم و في صحبتهم عمال مصريون يدربون الخواجات هناك.

عادت صناعة الزجاج إلى مصر كما بدأت قبل قرون، وكان طقم يس أول قطعة في جهاز كل عروس مصرية، سواء طقم المشروبات المرشوش بالرمل الملون، أو طقم القهوة المطلى بخطوط ماء الذهب، أما لمبة جاز يس فقد كانت شريكة كل بيوت مصر في لحظات الونس .

ثم قامت الثورة.. تحول مصنع يس إلى مصنع قطاع عام( النصر للزجاج و البللور)، ضاع ختم يس الموجود أسفل الأكواب، و انتهى الجزء اليدوى الفني في الصنعة و صار ميكانيكيا فظا، وكان التأميم قاسيا عليه بعض الشىء، فبحسبة بسيطة لم يعد المصنع يدر عليه إلا جنيهات قليلة كان يصرفها على علاجه حتى رحل عام 71.

No comments:

Post a Comment